قصة أحمد عبد العزيز أبو زبيدة البالغ خمسة وستين عاماً، تجسيد آخر للمأساة المتكررة، لكنها تحمل ثقل أجيال كاملة تُمحى.

ويبدأ شهادته بما وصفه بالتاريخ الدامي، "أنا في بداية الحرب، في يوم 10/11/2023، كنت نائماً، ولم أستيقظ إلا وأنا تحت الأنقاض، تم قصف بيتي لأول مرة، وتم استشهاد حفيدي - الحافظ للقرآن الكريم - وحفيداتي الحكيمة روان أبو زبيدة وجنات أبو زبيدة، وكتب الله لي النجاة".

لكن الأيام التي مضت لم تجلب له النسيان، بل جلبت له فاجعة أكبر.

ويقول بصوت يرتجف من ثقل الذكرى، "ومضت الأيام ومضت المعاناة إلى أن وصلنا إلى يوم 26/8/2025 ونحن نائمون، وإذ بصواريخ الحقد تنزل على بيتي. كنت نائماً أنا وزوجتي الحاجة مرام أبو زبيدة. ثلاث طوابق كاملة هدمت فوقنا".

"هذه المرة أيضاً لم تكن النجاة سهلة، ولم تكن بلا ثمن، استشهدت زوجتي بحمد لله، وأنا خرجت وكنت أصرخ 'أنقذوني، أنقذوني، أنقذوني'، إلى أن جاءت أختي وحفيدي الصغير وبدأوا بسحبي حتى استطاعوا أن يخرجوني"، يضيف أحمد.

والقصف الثاني لم يسرق منه زوجته فحسب، بل سرق منه عائلة بأكملها.

ويبدأ في تعداد خسائره التي لا تُحصى قائلاً: "في هذا القصف استشهدت زوجتي، واستشهد ابني محمد وزوجته، واستشهدت بنتي ليلى، واستشهدت بنتي إسلام هي وطفليها، الذي استشهد زوجها قبل ذلك بشهر واحد... في هذا القصف تم استشهاد سبعة من أفراد عائلتي، إلى سبعة سابقين، الآن أصبح لي في الجنة من عائلتي بإذن الله 15 شخصاً بإذن الله هم في الفردوس الأعلى".

وما زاد من مرارة الفقد هو العجز عن تكريم الموتى.

ويصف أحمد، المشهد المروع لإخراج جثث أحبائه، "لم نستطع إخراج الشهداء دفعة واحدة لضعف الإمكانيات، ظللنا نحفر بأظافرنا حتى أخرجناهم. ظل حفيدي جود تحت الركام خمسة أيام كاملة حتى تمكننا من انتشال جثمانه".

وهذه الأصوات الثلاثة، التي نجت من الموت المحقق تحت الركام، ليست سوى عينة صغيرة من آلاف القصص التي لم تُروَ بعد، وآلاف أخرى دُفنت مع أصحابها. إنها شهادات حية تترجم الأرقام الصماء إلى حقيقة إنسانية دامغة، وتضع العالم أمام سؤال واحد: "إلى متى سيظل صوت الأنقاض أعلى من صوت الإنسانية؟".