*
السبت: 06 ديسمبر 2025
  • 02 أكتوبر 2025
  • 12:09
الكاتب: الدكتورعبدالله فؤاد الخـب

خبرني - في خضم تسارع الحياة وتطور التكنولوجيا، يبرز سؤال عميق: هل نتعلّم فقط لزيادة معارفنا وتعليمها للآخرين، أم أن الغاية الأسمى هي أن نترجم ما نتعلمه إلى عمل يترك أثرًا حقيقيًا؟
الحقيقة أن العلم والتعليم هما أساس نقل الخبرات وتوارثها عبر الأجيال، لكن القيمة الكبرى للمعرفة لا تظهر إلا عندما تتحول إلى عمل ملموس يسهم في التنمية والابتكار. فالعلم بلا عمل قد يظل حبيس الكتب والعقول، بينما العمل بلا علم يفقد عمقه واستدامته. وهنا نستحضر قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه      "هتف العلم بالعمل، فإن اجابه وإلا ارتحل "، وهي حكمة خالدة تلخص أن العلم لا قيمة له إن لم يتجسد في سلوك وعطاء.
في الأردن والمنطقة، يظل التحدي الأكبر هو كيفية المواءمة بين التعليم وسوق العمل. لدينا طاقات شبابية مبدعة وكفاءات أكاديمية عالية، لكن الفجوة ما زالت قائمة بين ما يُدرَّس في قاعات الجامعات وما تحتاجه مؤسساتنا ومجتمعاتنا من مهارات عملية وإبداعية. ومن هنا يمكن التفكير في نموذج للتعليم التطبيقي، يقوم على الدمج بين المعرفة النظرية والتجربة العملية، بحيث يتعلم الطالب بالممارسة، ويشارك في مشاريع حقيقية مع مؤسسات القطاعين العام والخاص، ويتحوّل التقييم من امتحان ورقي إلى أثر ملموس في المجتمع أو السوق. هذا النموذج كفيل بتحويل الشهادات الجامعية من أوراق معلقة على الحائط إلى أدوات تغيير وبناء.
وعند النظر إلى المجتمعات المتقدمة، نرى أن أفضل ممارسات التعلم والعمل تقوم على الدمج المبكر بين الدراسة الأكاديمية والتدريب العملي، وتوفير بيئة تشجع على البحث والتجريب والابتكار. هناك، يتم تقييم الطلاب على قدرتهم على حل المشكلات الحقيقية والتفكير النقدي أكثر من حفظ المعلومات، ويتم تعزيز ثقافة " التعلّم مدى الحياة Lifelong Learning" بحيث لا يتوقف الإنسان عن تطوير مهاراته حتى بعد دخوله سوق العمل. هذا النهج يجعل المعرفة قوة متجددة، والعمل منصة لتجسيد الأفكار وتحويلها إلى منتجات وخدمات تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
الخيار إذن ليس أن نتعلّم لنعلم فقط، أو أن نتعلّم لنعمل فقط، بل أن نجعل العلم منارة للعمل، والعمل شاهدًا على قيمة العلم. فحين نُعلّم غيرنا ما اكتسبناه، ونترجمه إلى إنجازات عملية، نؤسس لدورة متكاملة من المعرفة والعطاء والبناء. تلك هي المعادلة التي نحتاجها اليوم: علم حيّ يُترجم إلى عمل، وعمل صادق يُغذّيه علم.
وللشباب والمقبلين على الدراسة أقول: لا تكتفوا بحفظ المعلومة أو الحصول على الشهادة، بل اجعلوا من علمكم وقودًا لأفكار مبتكرة ومشاريع نافعة. أنتم طاقة التغيير في أوطانكم، وبقدر ما تطبقون ما تعلمتم، بقدر ما تفتحون لأنفسكم ولأمتكم أبواب المستقبل.

 

مواضيع قد تعجبك