*
الثلاثاء: 09 ديسمبر 2025
  • 26 أيلول 2025
  • 17:09
الاندماج النووي العربي بين واقع التحديات وطموحات المستقبل
الكاتب: الدكتور سعد جمعه العطاونه

خبرني - يُعد الاندماج النووي الحلم الأكبر في مجال الطاقة، فهو المصدر الذي يمد الشمس والنجوم بقدرتها الهائلة، ويُنظر إليه باعتباره المفتاح لطاقة نظيفة وآمنة وغير محدودة تقريبًا. في العالم العربي، يتأرجح مشروع الاندماج النووي بين خيال الطموحات العلمية والسياسية وواقع التحديات التقنية والاقتصادية.

و يعرف الاندماج النووي على أنه عملية دمج نواتين خفيفتين، مثل نظائر الهيدروجين الديوتيريوم والتريتيوم، لتكوين نواة أثقل مثل الهيليوم مع إطلاق طاقة هائلة وفق معادلة آينشتاين E = mc²، حيث يتحول جزء صغير من الكتلة إلى طاقة. ففي النجوم مثلا، يحدث هذا الاندماج تحت ضغط وحرارة شديدين، وعلى الأرض يحاول العلماء محاكاة هذه الظروف داخل مفاعلات مثل مفاعل التوكاماك (Tokamak) ومفاعل الستيلاراتور (Stellarator).

ففي الدول العربية، وخاصة دول الخليج، تعد الطاقة النووية ذات أهمية قصوى وذلك لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط. وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز المبادرين في هذا المجال من خلال مشروع براكة للطاقة النووية السلمية، والذي يعتمد على الانشطار النووي وليس الاندماج. بالإضافة إلى ذلك، عقدت دولة الإمارات بعض الشراكات البحثية في مجال الاندماج مع جامعات عالمية معروفة. كما وتسعى المملكة العربية السعودية من خلال برنامج الطاقة النووية السلمية إلى تحقيق مكانة عالمية، مع توجه مستقبلي لدراسة تقنيات الاندماج واستثمارات في مشاريع بحثية مشتركة مع الصين وروسيا ومصر عبر مشروع مفاعل الضبعة الذي يركز على الانشطار النووي. كما وتوجد برامج بحثية محدودة في علوم البلازما في تونس والجزائر والمغرب، والتي تمتلك برامج أكاديمية متواضعة في علوم البلازما والفيزياء النووية. ويتمثل الطموح العربي الكبير في بناء مفاعل اندماج عربي، أو على الأقل إنشاء شبكة بحثية عربية متكاملة مشابهة لمشروع المفاعل النووي الحراري التجريبي (ITER) العالمي في فرنسا.

وتعد التحديات التي تواجه هذه الطموحات عديدة، وأولها التحديات التقنية مثل الوصول إلى حرارة تزيد عن 100 مليون درجة مئوية، والتحكم في البلازما الساخنة لفترات طويلة، وتطوير مواد فائقة التحمل لمواجهة النيوترونات عالية الطاقة الناتجة عن التفاعلات النووية في قلب المفاعل. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لتطوير أنظمة تبريد وتحصيل طاقة آمنة وفعالة. كما وتوجد قلة في الخبرات العربية في فيزياء البلازما والاندماج مقارنة بالدول المتقدمة. أما التحديات الاقتصادية فتشمل التكلفة الباهظة لبناء مفاعل اندماج نووي، حيث تتجاوز تكلفة مفاعل واحد مثل ITER خمسة وعشرين مليار دولار، إلى جانب قلة التمويل المخصص للأبحاث العلمية في معظم الدول العربية، والاعتماد الكبير على التقنيات المستوردة، مما يرفع التكلفة ويقلل من الاستقلالية. و أما التحديات السياسية فتشمل غياب التكامل العربي في المشاريع العلمية الكبرى، ووجود مخاوف أمنية وسياسية مرتبطة بالاستخدام النووي سواء كان الإنشطاري او الاندماجي على حد سواء، إضافة إلى الاعتماد على القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا.

بين الواقع والخيال تقف المشاريع العربية؛ فخيال الطموحات يتضمن بناء مفاعل اندماج عربي مستقل يولد طاقة نظيفة تكفي المنطقة بأكملها، ويُستخدم لتحلية مياه البحر، وتشغيل الصناعات الثقيلة، وتصدير الكهرباء. بينما الواقع يبين أن المشاريع الحالية تتركز على الانشطار النووي فقط، وأبحاث الاندماج لا تزال محدودة في إطار أكاديمي ضيق، والتعاون العربي في هذا المجال شبه معدوم.

ولتحقيق تقدم ملموس في هذا الحلم، هناك بعض الخطوات المقترحة، أهمها إنشاء مراكز أبحاث عربية مشتركة للاندماج النووي بتمويل خليجي وبخبرات عربية ودولية، وزيادة الإنفاق على البحث العلمي ليصل إلى ما بين 2 و 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة الى تطوير برامج أكاديمية متقدمة في علوم البلازما والفيزياء النووية، والتعاون مع المشاريع الدولية مثل منشأة الإشعال الوطنية (NIF) و المفاعل النووي الحراري التجريبي (ITER) في الولايات المتحدة وفرنسا لنقل المعرفة، بالإضافة إلى وضع خارطة طريق عربية للتحول التدريجي من الانشطار إلى الاندماج.

يمثل الاندماج النووي فرصة تاريخية للعالم العربي للتحرر من قيود الطاقة التقليدية، لكنه ما يزال حلمًا عالميًا لم يتحقق. فبينما يفتح الخيال آفاقًا واسعة لدور قيادي عربي في هذا المجال، يفرض الواقع تحديات هائلة، أبرزها ضعف البنية التحتية العلمية ونقص الكوادر المؤهلة.

إن الحل الواقعي يكمن في المشاركة الفعّالة عبر الشراكة في المشاريع الدولية، والاستثمار في البحث العلمي والشركات الناشئة، مع التركيز على تطوير التعليم. فبهذا يمكن للدول العربية أن تكون مشاركًا نشطًا أو شريكًا ماليًا مؤثرًا، بدلًا من السعي وراء الريادة المنفردة في الوقت الراهن.

إن تحقيق هذا الحلم العربي ما هو إلا رحلة وليس محطة، والخطوات الأولى على هذه الرحلة قد بدأت، ولكن الوصول إلى الهدف لا يزال بعيداً و يتطلب إرادة سياسية وتعاونًا إقليميًا واستثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد. وإذا ما توحدت الجهود، فقد يتحول يومًا ما مشروع الشمس العربية إلى حقيقية تضيء مستقبل الأمة.

مواضيع قد تعجبك