*
الاحد: 07 ديسمبر 2025
  • 22 أيلول 2025
  • 19:32


خبرني - كتبت د.ميساء المصري - ما بين الطائرات التي تُقلع من مدارج سيناء، والضربات الجوية التي تهدم غزة، والتقارير التي تتحدث عن تخزين صواريخ تحت الأرض المصرية، لا تزال الشرارة الكبرى مؤجلة… لكن كل ما حولنا يدل على أن برميل البارود في سيناء... على وشك الإنفجار لكن كيف ومتى ولصالح من؟.
أستطيع أن أقول بثقة، ما يجري اليوم ليس تصعيدًا عابرًا على حدود غزة وسيناء، بل لحظة مفصلية، عنوانها الحقيقي ليس “تهدئة” أو “حرب”، بل إعادة رسم المنطقة من جديد، بأدوات مكشوفة، وخطط دفينة، وأثمان قد تدفعها عواصم كبرى أخرى قبل أن تصل النار إلى مشارفها.
ففي عمق رمال سيناء، تبني مصر مدارج لطائرات لم تُستخدم بعد، وتُجهّز منشآت تحت الأرض لا تصلح لتخزين قمح أو دواء، بل لما هو أثقل، صواريخ وأسلحة استراتيجية. وحدات النخبة تنقل بهدوء، الرادارات تنصب في صمت، وتُهيّأ الأرض لشيء أكثر من مجرد تحصين حدود. والكيان الإسرائيلي، رغم انشغاله بغزة،حسب زعمه يقرأ هذا المشهد بقلق بالغ، ويعتبره خرقًا جوهريًا لنصوص كامب ديفيد، مهما حاولت القاهرة تبريره تحت غطاء "الأمن القومي" و"منع التهريب" و الذي اصبح هاجس الدول المحيطة ككل . 
لنطرح السؤال الأعمق هل مصر لم تعد تقبل بدور "الحارس الصامت"، ولا استخدام حدودها كصمام أمان لدولة توسعية قررت أن تفرغ غزة من سكانها ، وتلقي بهم على عتبات سيناء، ثم تكتفي بمراقبة المشهد الإنساني من وراء جدار؟
وهل نقتنع ان الصراع الحقيقي اليوم هو صراع على الدور والمكانة، لا على المعبر والمعسكر.؟؟
إسرائيل تدرك أن الحرب في غزة لن تبقى هناك. وأن من يتحكم في "وجهة اللاجئين" يملك ورقة سيادية كبرى. لذلك، تدفع نحو تفكيك القضية الفلسطينيةديموغرافيًا،سياسيا وجغرافيا ، لا عبر التفاوض، بل عبر التهجير القسري، بينما تُهيئ الرأي العام الدولي لقبول هذا السيناريو كـ"حل إنساني مؤقت". القاهرة، في المقابل، ترفض هذه الفرضية جملة وتفصيلًا، لكنها تواجه معادلة معقدة، بين الشارع الغاضب في الداخل، والضغط الغربي في الخارج، وبين التهديد العسكري على الحدود، والمقايضة الاقتصادية في ملف الغاز.
لنفهم ، ان الأمر لم يعد مقتصرًا على مواجهة تقليدية بين خصمين تاريخيين. هناك مشروع إعادة ترتيب للإقليم، تقوده إسرائيل بتخطيط عميق، وتواطؤات إقليمية، وتغاضٍ دولي، وانشغال متعمد للولايات المتحدة بملفات أكثر سخونة في أوكرانيا، والبحر الأصفر، وتراجع شهية واشنطن للتورط المباشر.
في هذا السياق، تظهر مؤشرات غير تقليدية، تعاون عسكري غير مُعلن بين مصر وتركيا، تقارير عن تنسيق لوجستي مع باكستان، وتحرّكات خليجية تشير إلى تشكل توازن إقليمي جديد مع دول قوية ، لا يستند إلى المحاور التقليدية، بل إلى إدراك عميق بأن الهيمنة الإسرائيلية لم تعد تُواجه بخطاب، بل تحتاج إلى تكتيك ردعٍ إقليمي مغاير.فهل ستتغير المعادلة .؟
وفي هذا الإطار، لا بد من التنبيه إلى أن أغلب منظومات التسليح في المنطقة العربية، رغم بريقها الإعلامي، تُدار بشيفرات أمريكية، وتتضمن قيود استخدام صارمة (End-Use Restrictions)بتوقيع مشروط ما يعني أن أي تحالف جديد لا يملك الإرادة فقط، بل يحتاج إلى القدرة على الإستقلال التكنولوجي والسيادي، وهي معركة غير منظورة بعد، لكنها حاسمة. وهنا لكم عميق التخيل حول القرارات العربية على اي مداخلات عسكرية رادعة.
من جهة مقابلة في دائرة القرار داخل إسرائيل، بات هناك حديث علني عن سيناريو سيناء، احتمال المواجهة مع مصر إذا تطورت الأمور نحو استهداف قادة حماس على أراضيها. وهنا، ليس من المبالغة القول إن استهدافًا كهذا قد يكون لحظة الانفجار، لا بسبب الحادث نفسه، بل بسبب رمزيته السياسية. مصر حذرت بوضوح، استهداف قادة المقاومة على أراضينا سيُفتح أبواب الجحيم. قد يُظن أن هذه لغة دبلوماسية، لكنها رسالة استراتيجية مشفّرة، نحن أمام معادلة جديدة، والرد لم يعد مستبعدًا. لكن الى اي مدى وما نوعيته ؟؟
في الداخل المصري تعيد مجازر غزة إلى الأذهان سرديات العدو التاريخي. وفي هذه اللحظة المتوترة، بدأ صوت واضح يعلو داخل النخبة السياسية المصرية. لا بد من مراجعة كامب ديفيد. ليس بالضرورة إلغاؤها، لكن إعادة صياغة شروطها الأمنية بما يتوافق مع المتغيرات الجديدة.وهو حال بقية شعوب الإقليم المطالبة بإلغاء اتفاقيات الإرتهان دون أي جواب .
إذن السؤال الأخطر هو، هل تستطيع القاهرة تحمّل كلفة هذا التغيير؟ في ظل أزمة اقتصادية حادة، وعلاقات مالية معقدة مع مؤسسات دولية، يبدو أن أي خطوة استراتيجية تحتاج إلى غطاء إقليمي وتوافق داخلي. كما أن مصر أمام استحقاق دبلوماسي آخر،هل تقبل بإحتضان قيادة حماس إذا ما طُردت من قطر أو أصبحت مستهدفة في تركيا؟ وهل هي مستعدة لدفع ثمن استعادة أوراق التأثير الفلسطيني، بعد عقود من الإبتعاد؟.
في المقابل، إسرائيل تفكر بطريقة مختلفة الأن ، تحتاج الى رد سريع بعد التقارب المصري-التركي، والدعم الفرنسي لفكرة قوات دولية في غزة، و اعترافات غربية متزايدة بدولة فلسطينية... وكأن الظروف تتهيأ للرد ،و هذا ليس مجرد تبدل في المواقف، بل بداية انهيار مفاوضات "الملف الفلسطيني".
الرسالة الإسرائيلية الآن واضحة، لا تهدئة دون فرض قواعد جديدة للعبة، تُكرّس إسرائيل كقوة ضابطة للإقليم، وتُقصي من يعارض رؤيتها. ومن لا يقبل هذا الإطار  سواء مصر، أو السلطة، أو حماس، أو حتى دول محيطة ، سيُدفع نحو الهامش أو المواجهة.
نحن لا نعيش حربًا مفتوحة، بل نعيش مرحلة انتقالية بأدوات صلبة وناعمة معًا. الهدف ليس غزة فقط، بل الشرق الأوسط كله. والنتيجة، إما ولادة معادلة توازن جديدة تحفظ للدول أدوارها، أو انزلاق شامل نحو شرق أوسط تُعاد كتابته بيد واحدة، نحن أمام حقيقة أن الهدوء التقليدي مات. وما يجري هو تفكيك ناعم يتطور لصلب لترتيبات إقليمية استمرت عقودًا، وصياغة معادلات جديدة على أنقاضها. ويبقى السؤال ،هل تدفع هذه اللحظة نحو تغيير  الكراسي، أم أنها مجرّد تمهيد لمعادلات أكثر شراسة وتعقيدًا؟
الإجابة... قيد التشكّل، وقد تُكتب في الرمال، أو تُحفر بالصواريخ.

مواضيع قد تعجبك