*
الاثنين: 22 ديسمبر 2025
  • 02 أيلول 2025
  • 17:31
الشفافيّة في التداول ما بين الاستثمار الواعي والوعود المضلّلة


خبرني - 00000000000000000000بقلم شركة سي آف أي الأردن (CFI)


مع تزايد منصّات التداول عبر الإنترنت يومًا بعد يوم، وتنافسها في اجتذاب المتداولين الجدد عبر منصّات بتصاميم متقنة ووعود سريعة بالربح، بات من الضروري أن نعيد النظر في الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه العلاقة بين المتداول والمنصة.

 

المعيار الحقيقي ليس في جاذبيّة التصميم أو سرعة التنفيذ، بل في وضوح المعلومات وشفافيّتها منذ اللحظة الأولى. وهنا تبرز الشفافية كأهم عنصر يحدّد إن كانت هذه العلاقة فرصة استثمارية حقيقية أم مجرّد وعود تسويقيّة مضلّلة.


 

الشفافيّة هي العملة الأهم في عالم التداول


الشفافية لا تقتصر على عرض الأرقام في المنصة، بل تشمل الإفصاح عن جميع التفاصيل التي تؤثر على قرارات أي متداول: الرسوم والفروقات السعرية، وآلية تنفيذ الأوامر، وأوقات التنفيذ، وسياسات السحب والإيداع. عندما تكون هذه التفاصيل واضحة ومعلنة، يصبح بإمكانك اتخاذ قرارات مبنية على بيانات حقيقية، ورسم استراتيجية تداول مدروسة، وتقييم العوائد بدقة، وتحمّل المخاطر بوعي.


أما غياب هذه المعلومات فلا يعني فقط ضعفًا في التواصل، بل قد يؤدي إلى قرارات مالية خاطئة، ففي كثير من الأحيان يجد المتداول نفسه قد دخل صفقة ظنّها مناسبة، ليكتشف لاحقًا أن هناك رسومًا غير معلنة، أو تأخيرًا في التنفيذ، أو تغييرًا في شروط السحب، أو عمولات كبيرة جدًا على مبالغ الأرباح لم تكن في الحسبان.

 

وقراءة وثيقة “الشروط والأحكام” لا تقلّ أهميّة عمّا سبق، فهي رغم طولها، تحتوي على تفاصيل دقيقة تتعلّق بالرسوم، والتنفيذ، والسحب، والبنود القانونية التي تحدّد مسؤوليات المنصة وحقوق المتداول. بعض المنصات قد تُدرج فيها شروطًا مبهمة أو استغلالية لا يُدركها المتداول إلا بعد فوات الأوان، لذا فإن مراجعتها تُعد خطوة ضرورية جدًا لتجنّب المفاجآت وضمان بيئة تداول واضحة وعادلة.

 

ولا تقتصر أهمية الشفافية على الجوانب التشغيلية والمالية، بل تمتد إلى الإطار القانوني أيضًا: التراخيص الرسمية، ومدى التزام الشركة بالتشريعات، وآليات الرقابة التنظيمية. المنصّة التي تفصح عن التزاماتها القانونية وتلتزم بها، تمنح المتداول ضمانًا إضافيًا بأن تجربته الاستثمارية تتمّ في بيئة موثوقة تحكمها قواعد واضحة. لكن يجدر الانتباه إلى أن بعض الشركات تدّعي أنها مرخّصة، في حين تكون حاصلة على تراخيص من دول أخرى أو جهات رقابية غير صارمة، مما يصعّب تصعيد الشكاوى عند الحاجة. وأسهل طريقة للتحقّق من مصدر الترخيص هي الرجوع إلى الجهات الرقابية المحلية مثل هيئة الأوراق المالية الأردنية (JSC) للتأكّد من أن الشركة مدرجة ضمن الشركات المرخّصة رسميًا.

 

 

 

العلامات الحمراء والإشارات التحذيريّة للتداول المضلّل

 

في عالم التداول الرقمي، ليس من السهل دائمًا التمييز بين المنصّات الموثوقة وتلك التي تعتمد على التضليل. لكن التجربة أثبتت أن هناك علامات حمراء تتكرّر، وإشارات تحذيريّة لا يجب تجاهلها. أوّل هذه الإشارات هو الإفراط في الوعود: “اربح من أول يوم”، “استثمر بلا مخاطرة”، “ضاعف أموالك خلال 24 ساعة”. مثل هذه العبارات تتنافى مع أبسط قواعد الأسواق وطبيعتها المتقلّبة.


ثم تأتي الرسوم الخفية: منصّة تعلن عن تكلفة منخفضة، لكنها تخفي فروقات سعرية كبيرة، أو تفرض عمولات “إدارية” غامضة، أو تقلّص الأرباح بنسبة غير مُعلنة عند السحب. ويجب الانتباه أيضًا إلى التقييمات المزيّفة، فحين تقتصر المراجعات الإيجابية على الموقع الرسمي فقط، دون وجود تقييمات في منصّات مستقلة أو منتديات المتداولين، يجب التوقف وإعادة التقييم.

 

أما اللافت في بعض المنصات فهو استخدامها التكنولوجيا لتغطية هذا الغموض. فواجهة متقدمة، ولوحة تحكم أنيقة، لا تعني أن النظام شفاف. بل قد تُستخدم التصاميم والرسوم البيانية كوسيلة لإقناع المتداول بجديّة وهمية تخفي وراءها بيئة غير موثوقة. التكنولوجيا يجب أن تستخدم كأداة تمكينيّة تمكّن المتداول من الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي، وتتيح استخدام أدوات تحليلية ذكية، بل وحتى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي الذي يربط بين كمّ هائل من المعلومات ليساعد على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا ودقّة، لذا فإن استخدامها كأداة تضليليّة يعكس عدم موثوقيّة المنصّة.


 

رحلة التداول تبدأ بطرح الأسئلة لا بفتح الحساب


قد يبدو فتح حساب تداول خطوة سهلة لا تتطلب تفكيرًا طويلًا، لكن الحقيقة أن اللحظة الأهم ليست عند فتح الحساب، بل قبل ذلك بكثير: عند طرح الأسئلة الصحيحة. هل توفّر هذه المنصة معلومات واضحة عن جميع التكاليف؟ هل بالإمكان الوصول إلى المعلومة بسهولة، أم يتطلّب ملاحقة خدمة العملاء؟ ما هي سياسة السحب وهل هناك رسوم إضافية؟ هل توجد مراجعات وتقييمات حقيقية من متداولين آخرين؟ وكيف يتعامل الدعم الفني مع الأسئلة والاستفسارات؟
 

الشفافية هي مبدأ أساسي يجب أن يحكم علاقة المتداول بالمنصّة، والثقة الحقيقية لا تُبنى على واجهة أنيقة أو إعلان جذّاب، بل على وضوح المعلومات ودقتها، وعلى وعي المتداول وطرحه للأسئلة الصحيحة والهامّة قبل بدء تجربة التداول.

 
 

 

مواضيع قد تعجبك