*
الخميس: 11 ديسمبر 2025
  • 12 أغسطس 2025
  • 18:42
أطفال تحت الركام وصوت ضمير يختنق  غزة خلف جدار الصمت الدولي
الكاتب: سهيل راضي العتوم – محلل اقتصادي ومالي

خبرني - يشهد قطاع غزة منذ سنوات طويلة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت حصار خانق وهجمات متكررة تستهدف حياتهم ومصادر عيشهم. ومع تصاعد العدوان في الفترات الأخيرة، باتت الانتهاكات أكثر شمولا ودموية، في انتهاك واضح لكل القوانين والمواثيق الدولية.
القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، يفرض حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ويحظر استهدافهم أو استخدام العقوبات الجماعية. كما يجرم تدمير البنية التحتية الحيوية أو منع الغذاء والدواء عن السكان. لكنه في غزة يبدو وكأنه كلمات على ورق؛ فالاستهداف المباشر للمدنيين، وتدمير البنية التحتية، وحرمان السكان من احتياجاتهم الأساسية، كلها ممارسات تتكرر أمام أنظار العالم، وتشكل وفق المعايير القانونية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تم تدمير محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ما خلق أزمة إنسانية حادة، في خرق واضح للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة؛ أطفال يولدون على أصوات القصف، وأمهات يحتضن أبناءهن في الملاجئ، وشيوخ يودعون بيوتهم التي تحولت إلى ركام. غزة اليوم ليست مجرد اسم على الخريطة، بل جرح نازف في ضمير العالم، يذكرنا كل يوم أن الإنسانية ما زالت تخسر أمام صمت السياسة وتواطؤ المصالح. فعلى مدى أكثر من 17 عاما، يعيش سكان القطاع في ظل حصار حرمهم من الغذاء والدواء والحرية، وحول حياتهم إلى سلسلة من الأزمات المتلاحقة. وفي كل جولة تصعيد عسكري، تتجدد المأساة بوجوه أكثر قسوة: منازل تهدم فوق ساكنيها، مدارس تتحول إلى أنقاض، مستشفيات عاجزة عن استقبال الجرحى، ومشاهد موت تملأ الشاشات دون أن تحرك الضمائر.
تقارير الأمم المتحدة، وهيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية، وثقت بدقة حجم الدمار وعدد الضحايا، وأكدت أن ما يجري لا يمكن تبريره بأي ذريعة أمنية أو سياسية. ومع ذلك، يظل الموقف الدولي في أغلبه متفرجا، يكتفي بإصدار بيانات "القلق العميق" و"الدعوة لضبط النفس"، بينما تسقط القنابل وتزداد المقابر. إن الفيتو في مجلس الأمن صار درعا يحمي المعتدين من المساءلة، ويمنحهم ضوءا أخضر لمواصلة الجرائم. لكن المساءلة ليست مستحيلة. فالمحكمة الجنائية الدولية تملك صلاحية التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب، والعديد من الدول تتيح "الولاية القضائية العالمية" لمحاكمة منتهكي القانون الدولي بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجريمة، حيث يمكن فرض عقوبات فردية على القادة والجهات المتورطة، ودعم المنظمات التي توثق الانتهاكات لضمان عدم ضياع الأدلة.
كل بيت يهدم هناك، وكل طفل يفقد أسرته، وكل مريض يموت بسبب منع العلاج، هو صفعة على وجه الضمير العالمي. إن الإنسانية اليوم أمام اختبار قاس: إما أن تنتصر لحقوق الإنسان والقانون الدولي، أو أن تسقط في هاوية اللامبالاة. فإن الصمت ليس حيادا، بل مشاركة غير مباشرة في استمرار الجريمة. والعالم الذي يترك غزة وحدها أمام الموت، سيفقد حقه في الحديث عن العدالة والسلام. لا بد من تحرك عاجل، لرفع الحصار، ووقف استهداف المدنيين، ومحاسبة كل من تلطخت يداه بدم الأبرياء. فغزة، برغم كل الألم، ما زالت تقاوم، وما زال أهلها يتمسكون بالحياة… لكنهم يستحقون أن يعيشوا بكرامة، لا أن يبقوا رهائن للموت المؤجل، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف استثناءات سياسية.
 

مواضيع قد تعجبك