تُعدّ مشاركة المرأة في سوق العمل مؤشرًا حاسمًا على مكانتها في المجتمع، كما أن تمكينها ووصولها إلى مصادر الدخل يؤثر إيجابًا على المجتمع ككل. وتشير التقارير والدراسات إلى أن تمكين المرأة وسد الفجوة بين الجنسين يمكن أن يؤدي إلى اقتصاد أكثر متانة.
كما يُعدّ تعزيز الابتكار وريادة الأعمال عنصرًا أساسيًا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتحقيق المساواة بين الجنسين في هذا المجال يُسهم بشكل كبير في هذا التقدم. ومع ذلك، لا تزال النساء يواجهن تحديات عديدة في بدء مشاريعهن وتوسيعها، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا والشبكات والتمويل. علاوة على ذلك، يلعب التحيز الجنسي وعدم المساواة دورًا هامًا في تشكيل بيئات ريادة الأعمال، مما يُقيّد الفرص المتاحة للنساء ويُعيق قدرتهن على الابتكار وخلق القيمة.
وقد شهدت العقود الاخيرة تطورا ملحوظا في مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل وبدأت تتبوأ أدوارا محورية في مختلف القطاعات الاقتصادية، لا سيما في المجالات المرتبطة بالتحول الرقمي وريادة الاعمال التقنية. ومع تسارع وتيرة الرقمنة في الاردن والعالم بات من الضروري تسليط الضوء على الانجازات والتحديات التي تعترض طريقها والحلول المقترحة لتعزيز دورها في التنمية المستدامة خصوصا في ظل رؤية الاردن الاقتصادية وخططه المستقبلية لتمكين المرأة والمساواة ما بين الجنسين.
رغم زيادة إدراك الشعوب والأمم بضرورة تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً في المجتمع لما له من آثار إيجابية في تحسين المستوى المعيشي للأسرة وتعزيز نجاح الجهود التنموية ونطاق التنمية الاقتصادية، إلا أنه ما يزال هناك العديد من العقبات التي تقف حجر عثرة أمام تمكينها. وفي الأردن تشير الدراسات والتقارير الوطنية والدولية إلى أن نسبة غير الناشطات اقتصاديًا من النساء بلغت (86%) مقابل (46%) للرجال، في حين أن نسبة النساء العاملات في الأردن لا تتجاوز (14 %)مقارنة بـ (54%)للرجال، وهي من أدنى النسب عالميًا، وتبلغ نسبة المؤمن عليهن في الضمان الاجتماعي من النساء (28.7%) فقط.
تأتي مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل الرسمي في موقع متأخر مقارنة بدول العالم، حيث بلغت حوالي (14.9%) في نهاية عام 2024، هذا وبلغت نسبة البطالة لدى النساء حوالي 31.4%، وهو ما يشير إلى وجود تحديات في سوق (دائرة الإحصاءات العامة، 2024).
.
إن المتأمل يستنتج بأن المشكلة لا تقتصر على انخفاض معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة في الأردن فحسب، وتُعدّ هذه النتيجة متناقضة بالنظر إلى الارتفاع السريع في التحصيل التعليمي للإناث في الأردن. والطريقة الوحيدة لفهم هذه المفارقة هي انخفاض معدلات مشاركة النساء المتعلمات بمرور الوقت، بالرغم من تحسن التركيبة التعليمية، إن انخفاض مشاركة النساء المتعلمات يرجع إلى تدهور هيكل الفرص في سوق العمل الأردني. وعلى الرغم من ذلك برزت المرأة الاردنية في ريادة الاعمال الرقمية حيث اثبتت جدارتها في قيادة شركات ناشئة والمساهمة في تطوير حلول تقنية مبتكرة.
وفي ظل التقدم العلمي والتكنولوجي بات العمل والمساهمة في الاقتصاد ليس مرتبطاً بمكان وزمان مما أتاح للمرأة فرصة كبيرة للعمل من المنزل.
المرأة ليست فقط نصف المجتمع عددًا، بل طاقة إنتاجية هائلة ومصدر إبداع وابتكار لا غنى عنه. وتعاظم دورها في الاقتصاد الرقمي يعود إلى عدة أسباب:
1. سد الفجوة الرقمية والاقتصادية: تمكين المرأة في الاقتصاد الرقمي يسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويقلل من الفجوات الاقتصادية والاجتماعية.
2. الابتكار في الأعمال: أظهرت دراسات أن الفرق التي تقودها نساء أكثر ميلًا للابتكار، وأكثر قدرة على بناء حلول مستدامة تخدم فئات واسعة من المجتمع.
3. تحقيق أهداف التنمية المستدامة: دور المرأة في الريادة الرقمية يتقاطع مع الأهداف الأممية، خصوصًا هدف تمكين النساء، والمساواة بين الجنسين، وتعزيز العمل اللائق والنمو الاقتصادي.
4. تمكين مجتمعي واسع: النساء الرائدات لا يغيرن حياتهن فقط، بل يُصبحن مصدر إلهام وتمكين لمجتمعاتهن، وأداة فعالة في كسر الصور النمطية عن دور المرأة. شه
د ان تحسنًا ملحوظًا في وضع المرأة في التجارة، خاصةً في مجال "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون". ارتفعت
المرأة الأردنية تلعب دورًا بارزًا في ريادة الأعمال، حيث تشهد زيادة في مشاركتهن في قطاع الأعمال وتأسيس مشاريع خاصة بهن. وتساهم المرأة في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال إبداعها في مجالات مختلفة، مثل التكنولوجيا والزراعة والخدمات، وخلق فرص عمل وابتكار منتجات وخدمات جديدة.
وقد لعب إنشاء حاضنات ومؤسسات ريادية بارزة دوراً محورياً في هذا الصدد، مما ساهم في الصعود الملحوظ للأردن في مؤشر ريادة الأعمال العالمي. ففي غضون أربع سنوات فقط، ارتفع ترتيب البلاد من المرتبة 72 إلى المرتبة 49 من بين 137 دولة. ويُبرز هذا المسار التصاعدي إمكانات الأردن المتنامية كمركز لأنشطة ريادة الأعمال. ومع ذلك، ووفقاً للمرصد العالمي لريادة الأعمال، تُسجل النساء الأردنيات أدنى معدل لنشاط ريادة الأعمال، حيث أن 3.3% فقط من الإناث في الفئة العمرية (18-64) قد أسسن أو بدأن أعمالاً تجارية، مقارنةً بنسبة 12.8% من الذكور.
التحديات التي تواجه المرأة الأردنية في مجال ريادة الأعمال الرقمية.
تعاني النساء من عدة عوائق من أجل الوصول لريادة الأعمال الرقمية منها بنيوية وثقافية، وهذا يستلزم الحد من التمييز القائم على النوع الاجتماعي في بيئة ريادة الأعمال، وتطبيق تدابير لزيادة وصول المرأة إلى الأسواق والتكنولوجيا والتمويل، وتهيئة بيئة تدعم نموّها وتطورها كرائدة أعمال، وتواجه المرأة في الأردن كبقية المجتمعات تحديات تحول دون وصول المرأة إلى أنظمة الحماية الاجتماعية.
وتتمثل التحديات بما يلي:
محدودية الوصول إلى التمويل: تشير الدراسات إلى أن 34% فقط من السيدات صاحبات الأعمال في الأردن لديهن حسابات بنكية، مما يحد من قدرتهن على الحصول على التمويل اللازم لتطوير مشاريعهن.
ضعف البنية التحتية الداعمة: تُعد قلة توفر خدمات رعاية الأطفال وضعف منظومة النقل العام من أبرز العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة الفاعلة في سوق العمل وريادة الأعمال.
الثقافة المجتمعية: تُواجه النساء تحديات مرتبطة بالثقافة المجتمعية التي قد تحد من انخراطهن في بعض القطاعات الاقتصادية، مما يؤثر على تنوع المشاريع التي يمكن أن تقودها النساء.
التركيز على القطاعات التقليدية: تتركز معظم النساء في النشاطات الريادية في أنشطة تجارة خدمة الزبائن، ولا يقمن بتقديم منتجات جديدة، كما أن نسبة الصادرات لديهن منخفضة، مما يزيد من المنافسة المحلية ويؤدي إلى توقف العديد من الأعمال بسبب عدم ربحتها.
الخوف من الفشل: أن "الخوف من الفشل" هو السبب الرئيس في امتناعهن عن إنشاء الأعمال الريادية.
الفجوة الرقمية: رغم انتشار الأنترنت لا تزال هناك فجوة بين الجنسين في استخدام التكنولوجيا بشكل انتاجي وحرفي.
قلة البرامج التدريبية المتخصصة التي تستهدف المرأة بشكل دقيق تراعي خصوصيتها واحتياجاتها.
ضعف التمكين القانوني والاجرائي المتعلقة ببيئة العمل لا تزال بحاجة الى تحديثات لتتماشى مع تطور المرأة في سوق العمل الرقمي.
الحلول والمقترحات لتعزيز دور المرأة وتمكين المرأة الاردنية في الاقتصاد الرقمي لا بد من منظومة شاملة تدمج السياسات العامة والقطاع الخاص والمجتمع المدني من خلال.
تطوير برامج دعم وتمويل مخصصة: كأنشاء صناديق تمويل للمشاريع النسائية الرقمية وتقديم حوافز للشركات التي تقودها النساء.
بناء قدرات رقمية شاملة: إطلاق مبادرات لتدريب النساء على ادوات الذكاء الاصطناعي، التحول الرقمي والتجارة الالكترونية.
مراجعة تشريعيات العمل والضمان الاجتماعي لخلق بيئة مرنة وصديقة للمرأة
تنظيم حملات تغيير ثقافي مجتمعي لتعزيز صورة المرأة الريادية والنموذج الناجح عبر الاعلام.
بناء منصات رقمية موجهة للمرأة وانشاء شبكات تبادل خبرات وتوفير موارد الكترونية تساعد المرأة في تنمية مشاريعها.
المرأة الاردنية تمتلك الطموح والارادة وريادة الاعمال الرقمية ليسا مجرد فضاء للذكور بل فرصة عادلة لتمكين الجميع، ان دعم المرأة الاردنية في هذا المجال لا يعد رفاهية اجتماعية بل ضرورة
اقتصادية وانسانية، والاردن وهو يسير في مسار التحول الرقمي لا يمكن ان يبلغ هدفه دون ان تسير المرأة بجانبه لا خلفه فالابتكار لا يكتمل الا بصوت المرأة وريادة الاعمال لا تزهر الا بعزيمتها إذا أردنا اقتصادا رقميا قويا فلنضع يدنا في يد المرأة الاردنية فهي ليست فقط نصف الحاضر بل المستقبل.




