*
الخميس: 11 ديسمبر 2025
  • 28 حزيران 2025
  • 13:32
لهاث خلف التصنيفات وبنية تحتية تئن
الكاتب: د. سمير ناصر عليمات

خبرني - في الوقت الذي تلهث فيه بعض الجامعات وراء التصنيفات العالمية، يواجه الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات يوميًا واقعًا مغايرًا تمامًا؛ واقعٌ تختزله قاعات دراسية متهالكة، ومختبرات قديمة، وضعف - وأحيانا إنقطاع- في خدمات الإنترنت، وبيئة جامعية تفتقر في كثير من الأحيان إلى الحد الأدنى من التجهيزات الأساسية.

لا غبار على أهمية تحسين السمعة الأكاديمية للجامعات، ولا يُلام القائمون عليها إن سعوا إلى دخول تصنيفات عالمية مرموقة مثل QS أو Times Higher Education، فهذه التصنيفات قد تعكس – نظريًا – جودة التعليم والبحث والانفتاح الدولي والسمعة الأكاديمية. لكن، حين يتحوّل التصنيف إلى غاية بحد ذاتها، ويُوظّف كأداة تجميل خارجي لا تتسق مع واقع داخلي هش، فإن النتيجة تكون مزيدًا من التناقض، والإحباط، وفقدان الثقة.

فعلى سبيل المثال، باتت بعض الجامعات تركز على عدد الأبحاث المنشورة دون التحقق من أثرها الفعلي أو ارتباطها بالأولويات الوطنية أو التنمية المحلية المستدامة، وتغض الطرف عن تهالك المرافق، وضيق المساحات، وغياب البيئة الجامعية المحفّزة. والأسوأ من ذلك، أن هذا "اللهاث" نحو التصنيف قد يدفع الجامعات إلى توجيه الجهد والتمويل نحو تحسين مؤشرات ظاهرية، بدلًا من الاستثمار في البنى التحتية الأساسية التي تعزز العملية التعليمية فعليًا.

كيف يُعقل أن تسعى الجامعات إلى تحقيق مركز عالمي متقدم في التصنيفات، بينما طلاب بعض هذه الجامعات قد لا يجدون مقعدًا مريحًا، أو يعجزون عن الوصول إلى مختبر مزوّد بالتقنيات الحديثة؟ وكيف يُطلب من باحث أن يقدّم إنتاجًا علميًا رصينًا في ظل غياب أدنى مقومات البحث والحوافز العلمية ونظام ترقية يخضع لأهواء شخصية؟

إن المفارقة الصارخة بين "الصورة الرقمية" و"الواقع الحقيقي" تسيء إلى سمعة التعليم العالي أكثر مما تخدمها، وتُفقد التصنيفات قيمتها إن لم تُترجم إلى تغيير حقيقي في البيئة الجامعية.

إن المطلوب اليوم ليس الانكفاء عن التصنيفات العالمية، بل إعادة النظر في الطريق إليها. المطلوب هو توازن دقيق بين الطموح الأكاديمي والواقع التنموي للبيئة الجامعية، بحيث تصبح البنية التحتية أولوية، لا هامشًا مهملًا. المطلوب أن نضع الطالب في قلب المعادلة، لا أن نغرقه في مظاهر لا يشعر نتائجها. فالتعليم لا يُقاس بالأرقام وحدها، بل يُقاس بالأثر الذي يتركه في الإنسان، في وعيه، وفي قدرته على الإبداع في بيئة تحتضنه.

وفي هذا الصدد، يأتي دور سياسات التعليم العالي، التي لا بد أن تعيد ضبط بوصلتها. فعوضًا عن الاستجابة السريعة لمتطلبات التصنيفات الدولية لوحدها، لا بد أن تتماشى هذا الجهود أيضا مع وضع خطة إصلاح وطني شاملة للبنية التحتية في الجامعات، تراعي البحث العلمي الحقيقي، وتربط بين التمويل والجودة، وتُعلي من قيمة ما هو ملموس وضروري في حياة الطالب والأستاذ الجامعي.

قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
الجامعة الهاشمية
أستاذ جامعي وكاتب في قضايا التعليم العالي (edited)
 

مواضيع قد تعجبك