*
الخميس: 11 ديسمبر 2025
  • 23 حزيران 2025
  • 15:59
تعرف على أسباب ندرة المياه في الأردن والمشاكل المترتبة عليها

ندرة المياه في الأردن هي أحد أخطر التحديات التي تواجهها المملكة الهاشمية الاستراتيجية في تاريخها المعاصر، والتي تتفاقم بشكل مستمر وتهدد الأمن المائي الوطني والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، حيث تعود جذور هذه الأزمة إلى محدودية الموارد المائية وزيادة الاعتماد على المياه الجوفية بشكل لافت، مما يضع الأردن في قائمة أفقر عشر دول في العالم من ناحية الموارد المائية المتاحة.

تشكل هذه الأزمة تحدياً وجودياً يتطلب حلولاً جذرية وعاجلة لضمان استدامة التنمية ومستقبل الأجيال القادمة، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تدهور مستمر في نصيب الفرد من المياه في الأردن، حيث تراجعت حصة الفرد من المياه في العام إلى 80 متراً مكعباً فقط نزولاً من 3400 في مطلع القرن، وهذا التراجع يضع الأردن تحت خط الفقر المائي المدقع، حيث حددت الأمم المتحدة الفقر المائي بألف متر مكعب من المياه للفرد سنوياً.

يحصل المواطن الأردني على جزء بسيط من هذا المعيار الدولي، كما انخفض نصيب الفرد من إمدادات المياه من 132 لتراً يومياً عام 2007 إلى 125 لتراً يومياً عام 2017، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 90 لتراً يومياً عام 2025.

تنبع أزمة ندرة المياه في الأردن من مجموعة معقدة من العوامل الطبيعية والبشرية التي تتفاعل فيما بينها لتخلق هذا الوضع الحرج، فالأردن يقع في منطقة جافة وشبه جافة تتميز بقلة الأمطار وارتفاع معدلات التبخر، مما يجعل الموارد المائية الطبيعية محدودة بشكل كبير، وتشكل جغرافية الأردن تحدياً لإمدادات المياه إذ تقع موارد المياه الرئيسية في الأردن بشكل عام على مسافة بعيدة عن المدن والمناطق الزراعية، مما يزيد من تكاليف النقل والتوزيع ويفاقم من التحديات التقنية واللوجستية.

يواجه الأردن ضغوطاً ديموغرافية متزايدة نتيجة النمو السكاني الطبيعي والهجرات القسرية من الدول المجاورة، مما يضع عبئاً إضافياً على الموارد المائية المحدودة أصلاً، ووضعت التطورات الاقتصادية والديموغرافية خلال القرن العشرين ضغوطات متصاعدة على الموارد المائية في الأردن، حيث أدت موجات اللجوء المتتالية من فلسطين والعراق وسوريا إلى زيادة الطلب على المياه بشكل كبير.

تعاني البنية التحتية للمياه في الأردن من مشاكل تقنية خطيرة تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من المياه المعالجة، إذ يتسرب أكثر من 50% من مياه البلديات، مما يعني أن نصف الجهود المبذولة في معالجة وضخ المياه تذهب سدى، ويضاعف هذا الهدر الكبير من حجم الأزمة ويجعل الحاجة إلى تطوير البنية التحتية أمراً بالغ الأهمية.

تترك أزمة ندرة المياه آثاراً عميقة على الاقتصاد الأردني والتنمية المستدامة، حيث تحد من فرص النمو الاقتصادي وتؤثر على جودة الحياة للمواطنين، ويواجه القطاع الزراعي، الذي يعتبر من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الأردني، تحديات جسيمة نتيجة نقص المياه، مما يؤثر على الأمن الغذائي ويزيد من الاعتماد على الاستيراد، كما تؤثر الأزمة على القطاع الصناعي والسياحي، مما يحد من قدرة البلاد على تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.

تؤثر أزمة ندرة المياه بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين الأردنيين، حيث يواجهون انقطاعاً دورياً في إمدادات المياه وضرورة الاعتماد على أساليب ترشيد صارمة، مما يخلق ضغوطاً اجتماعية ونفسية على الأسر، كما يؤثر على الأنشطة الاقتصادية والتجارية.

 

أسباب ندرة المياه في الأردن

•             يُعتبر الموقع الجغرافي للأردن من أهم الأسباب الجذرية لأزمة ندرة المياه، حيث تقع المملكة في منطقة جافة وشبه جافة تتميز بندرة طبيعية في الموارد المائية، وتتلقى معظم مناطق الأردن كميات قليلة من الأمطار السنوية، حيث يتراوح المعدل السنوي للهطول المطري بين 50-600 ملليمتر في السنة، مع تركز معظم الأمطار في فصل الشتاء فقط، مما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه قبل أن تتمكن من التسرب إلى الخزانات الجوفية أو التجمع في المسطحات المائية السطحية.

•             التغير المناخي هو أحد أبرز تحديات العصر، لما له من آثار سلبية على مختلف القطاعات التنموية في الأردن، حيث يشهد تأثيرات متزايدة لتغير المناخ العالمي، والتي تتمثل في زيادة الطلب على المياه بسبب المناخ الأكثر دفئا خفض كمية المياه في الخزانات تقليل جداول المياه الجوفية تدهور جودة المياه، كما أن تغير المناخ إلى جانب ارتفاعٍ درجات الحرارة أدى إلى انخفاض الموارد المائية.

•             يشكل النمو السكاني المتسارع في الأردن أحد أهم أسباب تفاقم أزمة ندرة المياه، حيث ارتفاع معدل النمو السكاني، ونضوب المياه الجوفية والآثار المترتبة على تغير المناخ من المرجح أن تفاقم الوضع في المستقبل، وشهد الأردن زيادة كبيرة في عدد السكان خلال العقود الماضية، ليس فقط بسبب النمو السكاني الطبيعي، بل أيضاً نتيجة موجات اللجوء المتتالية من الدول المجاورة، مما يضع ضغطاً متزايداً على الموارد المائية المحدودة أصلاً.

•             يُعد الاستخدام المفرط وغير المستدام للمياه الجوفية من أخطر الأسباب التي تهدد الأمن المائي في الأردن، حيث يتم تغطية العجز من خلال الممارسة غير المستدامة المتمثلة في الإفراط في تكدس طبقات المياه الجوفية المرتفعة، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات وجودة المياه، وهذا الاستنزاف المستمر للخزانات الجوفية يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتدهور نوعيتها، حيث أدى الإفراط في استخراج موارد المياه الجوفية إلى تدهور نوعية المياه وخفض الكميات القابلة للاستغلال.

•             تواجه الأردن تحديات معقدة في إدارة الموارد المائية بسبب الطبيعة العابرة للحدود لمعظم مصادر المياه، حيث يشكل تغير المناخ، وانخفاض هطول الأمطار والجفاف في المنطقة، والنمو السكاني واللاجئين، والطبيعة العابرة للحدود لمعظم موارد المياه، تحديات متداخلة ومعقدة، فالمملكة تعتمد جزئياً على المياه المشتركة مع الدول المجاورة، مما يجعل إدارة هذه الموارد مرهونة بالتعاون الإقليمي والاتفاقيات الدولية.

•             تعاني البنية التحتية للمياه في الأردن من مشاكل تقنية خطيرة تؤدي إلى هدر كميات كبيرة من المياه المعالجة والمنقولة، إذ تعاني شبكات توزيع المياه القديمة والمتهالكة من تسريبات واسعة النطاق، مما يؤدي إلى فقدان نسبة عالية من المياه قبل وصولها للمستهلكين، ويضاعف هذا الهدر في البنية التحتية من حجم المشكلة ويجعل الكميات المحدودة من المياه المتاحة غير كافية لتلبية الاحتياجات الفعلية للسكان.

•             يساهم توزيع استهلاك المياه بين القطاعات المختلفة في تفاقم أزمة الندرة، ولطالما كان القطاع الزراعي المستهلك الرئيسي للمياه، وهذا الاستهلاك المرتفع في القطاع الزراعي، مقترناً بممارسات ري غير فعالة في كثير من الأحيان، يضع ضغطاً إضافياً على الموارد المائية المحدودة، كما أن تغير أنماط الاستهلاك المنزلي والتجاري مع النمو الاقتصادي والتطور الحضري يزيد من الطلب على المياه بوتيرة تفوق قدرة الموارد المتاحة على التجديد.

•             تلعب العوامل الاقتصادية دوراً ملحوظاً في تفاقم أزمة ندرة المياه، حيث تتطلب تطوير مصادر مياه جديدة وتحسين البنية التحتية استثمارات ضخمة قد تتجاوز قدرات الموازنة العامة للدولة، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم لمشاريع تحلية المياه وتطوير الموارد المائية غير التقليدية يحد من قدرة البلاد على مواجهة الأزمة بشكل فعال.

•             يساهم التدهور البيئي في تفاقم أزمة ندرة المياه من خلال عدة آليات، منها تآكل التربة وتدهور الغطاء النباتي الذي يقلل من قدرة الأرض على امتصاص وتخزين مياه الأمطار، كما أن التلوث البيئي يؤثر على جودة المصادر المائية المتاحة، مما يحد من إمكانية استخدامها أو يزيد من تكاليف معالجتها، بالإضافة إلى ذلك، يقلل الرعي الجائر وإزالة الغابات في بعض المناطق من قدرة النظم البيئية على الاحتفاظ بالمياه ويزيد من معدلات الجريان السطحي.

•             تواجه الأردن تحديات تقنية في تطوير واستخدام التقنيات الحديثة لإدارة المياه وتحسين كفاءة استخدامها، ويحد نقص الخبرات التقنية المتخصصة في مجال إدارة الموارد المائية وتقنيات التحلية والمعالجة المتقدمة من قدرة البلاد على تبني حلول مبتكرة لمواجهة الأزمة، كما أن عدم مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية في مجال كفاءة استخدام المياه يفوت فرصاً مهمة لتحسين الوضع المائي.

 

المشاكل المترتبة على ندرة المياه في الأردن

•             تُعد ندرة المياه في الأردن من أخطر التحديات التي تواجه المملكة، وتترتب عليها مشاكل متعددة في مختلف المجالات، حيث يُعتبر الأردن من أفقر 10 دول في العالم في مصادر المياه الطبيعية والمتجددة، كما أن العجز المائي السنوي في الأردن يُقدر بنحو 500 مليون متر مكعب، مما يضع المملكة في موقف بالغ الصعوبة من ناحية تأمين احتياجاتها المائية المتزايدة.

•             تتفاقم أزمة المياه في الأردن بسبب عدة عوامل، منها ارتفاع معدل النمو السكاني، ونضوب المياه الجوفية والآثار المترتبة على تغير المناخ، بالإضافة إلى التأثيرات المستمرة للهجرات القسرية نتيجة للصراعات الإقليمية.

•             من أبرز المشاكل المترتبة على ندرة المياه، تراجع القطاع الزراعي وتأثر سبل عيش المزارعين، حيث يضطر المزارعون لاستخدام المياه العادمة المعالجة كبديل، زيادة تكاليف تأمين المياه وتوزيعها على المواطنين، والحاجة لاستثمارات ضخمة في مشاريع تحلية المياه والبنية التحتية.

•             تتأثر جودة الحياة المواطنين بسبب انقطاع المياه المتكرر، عدم المساواة في الوصول للمياه بين المناطق المختلفة، وهناك ضغوطاً اجتماعية ناتجة عن زيادة أسعار المياه، استنزاف المياه الجوفية والخزانات الطبيعية، تدهور النظم البيئية المائية، وتأثر التنوع الحيوي في المناطق الرطبة.

•             بالإضافة إلى ذلك، تتراجع جودة المياه في بعض المناطق، وهناك مخاطر صحية ناجمة عن عدم توفر مياه نظيفة كافية، وتتأثر النظافة الشخصية والصحة العامة بندرة المياه.

•             لذلك، تسعى الحكومة الأردنية لمواجهة هذه التحديات من خلال عدة مبادرات، منها مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر، وإعادة هيكلة تعرفة المياه، وتحسين كفاءة شبكات التوزيع، كما تركز على تطوير استخدام المياه العادمة المعالجة في الزراعة وتعزيز الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه.

 

مواضيع قد تعجبك