*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 16 حزيران 2025
  • 17:47
العطلة الصيفية فرصة للنمو
الكاتب: د.أحلام ناصر

خبرني - في كل عام، يستقبل الطلبة الإجازة الصيفية بفرحٍ ولهفة، وتنشغل الأسر في التخطيط للأنشطة الترفيهية والسفر والزيارات العائلية، وكأن العطلة مساحة للراحة فقط، غالبًا بعيدًا عن أي بُعد تربوي أو تعليمي. غير أن هذا التصور الشائع يُغفل سؤالًا محوريًا: هل الإجازة الصيفية مجرد استراحة؟ أم أنها، في غياب التخطيط الأسري الواعي، قد تتحول إلى مصدر فوضى سلوكية، وتراجع مهارات، وخلل في الانضباط والتنظيم الذاتي لدى الأبناء؟

وربما لا تظهر نتائج هذا الإهمال في البداية، لكنها ينتج عنها آثارًا تتراكم عامًا بعد عام، لتنعكس لاحقًا في ضعف أكاديمي وسلوكي يصعب تعويضه بسهولة. وهنا تبرز مسؤولية الأسرة، لا في حماية الطفل من الملل فحسب، بل في تحويل الإجازة إلى فرصة للنمو المعرفي والنفسي والاجتماعي، دون أن تفقد معناها الترفيهي.

صحيح أن الإجازة تمنح الجميع استراحة من ضغط الدراسة، إلا أنها تكشف في العمق عن هشاشة التخطيط الأسري حين يغيب البرنامج اليومي الواضح وتراخى دور الوالدين. فالكثير من الأسر تنشغل بأعمالها دون توفير بدائل واقعية لأبنائها، ما يُحوّل العطلة إلى فوضى في المواعيد والنوم، وساعات طويلة أمام الشاشات وسط محتوى غير مراقب، وعزلة رقمية تُضعف المهارات الاجتماعية، وتُقلل من روح المسؤولية والانضباط.

وقد أظهرت الدراسات أن ما يُعرف بالفاقد التعليمي الصيفي، وهو تراجع حقيقي في المستوى المعرفي والمهاراتي للطلبة نتيجة الانقطاع الطويل عن الدراسة دون تحفيز ذهني. وتشير الأبحاث إلى أن هذا الفاقد يعادل ما لا يقل عن شهر دراسي سنويًا، ويظهر بوضوح في مهارات الرياضيات، إلى جانب تأثيره على القراءة، والكتابة، والحساب. كما ينعكس سلبًا على الطلاب الذين لا يجدون دعمًا صيفيًا كافيًا في أسرهم، إما بسبب ضعف الوعي أو ضيق الإمكانيات، مما يُعمّق الفجوة التعليمية والاجتماعية بينهم وبين أقرانهم. ووفق تقديرات تربوية، يحتاج الطالب بين أربعة إلى ستة أسابيع في بداية كل عام دراسي لتعويض هذا التراجع، ما يُبطئ مسار التعلّم ويزيد العبء على المعلمين.

ومن الناحية الاجتماعية، تتحمل الأسرة أيضًا عبء التوازن بين العمل وتوفير الرعاية والأنشطة الهادفة للأبناء. فغياب المراكز الثقافية أو الشبابية المجانية أو منخفضة التكاليف يدفع الأسر للاعتماد على إمكانياتها الذاتية، مما يجعل بعض الأطفال فريسة للفراغ، أو التأثر بأقران وسلوكيات سلبية. والترفـيه (رغم ضرورته) حين يُترك دون توجيه، يصبح أحيانًا وسيلة للهروب، ويُغذي مظاهر الاستهلاك والتباهي والعنف لدى الأبناء، بدل أن يسهم في تنمية الإبداع والوعي.

ختامًا:

العطلة الصيفية مسؤولية أسرية بامتياز، وليست مجرد فترة راحة. فهي فرصة متكاملة للتعلّم والنضج والترفيه، إذا أُحسن التخطيط لها. ويبدأ ذلك من داخل البيت، عبر خطة منزلية مرنة تشمل مزيجًا من الأنشطة التعليمية والترفيهية، وضبط استخدام الشاشات ببدائل حقيقية مثل المطالعة، والرياضة، والفنون، والمبادرات التطوعية. كما أن إشراك الأبناء في وضع جدولهم الصيفي يمنحهم الشعور بالمسؤولية، ويعيد إليهم التوازن النفسي والانضباط الذاتي.

فلنُعِد النظر في فلسفة العطلة الصيفية، لا باعتبارها فقط وقتًا للراحة، بل كمساحة حرة نستثمرها في بناء الإنسان. فالإجازة التي لا تُضيف للطفل في معرفته أو مهاراته أو شخصيته، ليست راحة، بل فرصة ضائعة. وآن الأوان أن تتحمل الأسرة دورها في قيادة هذه المرحلة، وتحويل الصيف من فراغ إلى مساحة للوعي والتوازن والنمو.

مواضيع قد تعجبك