*
الجمعة: 12 ديسمبر 2025
  • 15 حزيران 2025
  • 13:45
الأردن بين المطرقة والسندان الموقع الجيوسياسي في مرمى الصراع الإيرانيالإسرائيلي
الكاتب: المحامي الدكتور ربيع العمور
الأردن بين المطرقة والسندان

خبرني - في ظل التصعيد المتسارع بين إيران وإسرائيل، يجد الأردن نفسه مرّة أخرى في قلب عاصفة لا ناقة له فيها ولا جمل. موقعه الجغرافي الحساس، بين إسرائيل من الغرب والعراق وسوريا من الشرق والشمال، جعله جدار صدّ طبيعي في وجه أي تصعيد إقليمي، سواء أراد ذلك أم لم يرد. ومع سقوط صواريخ إيرانية داخل مجاله الجوي خلال المواجهة الأخيرة، وتهديد المفاعل النووي الإسرائيلي "ديمونة" القريب، تصبح التساؤلات مشروعة: إلى متى سيبقى الأردن ممسكًا العصا من المنتصف؟ وهل الحياد في هذه اللحظة التاريخية لا يزال ممكنًا؟

أولًا: الصراع الإيراني-الإسرائيلي خرج عن الظل

لطالما كان الصراع بين إيران وإسرائيل صراعًا "باردًا" بالوكالة، تُدار معاركه في اليمن وسوريا ولبنان، لكن المواجهة الأخيرة كشفت أن مرحلة "الضرب تحت الحزام" انتهت. فإسرائيل استهدفت ضباطًا إيرانيين كبارًا داخل الأراضي السورية، وإيران ردّت بهجوم مباشر بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

الردّ الإيراني تجاوز الخطوط الحمراء جغرافيًا، مخترقًا أجواء العراق والأردن. وهنا، لم يكن بإمكان الأردن أن يقف مكتوف الأيدي، فقد اعترضت دفاعاته الجوية بعض الصواريخ، ليس دفاعًا عن إسرائيل، بل دفاعًا عن سيادته ومواطنيه، وعن مياهه وأرضه وفضائه.

ثانيًا: معاهدة السلام مع إسرائيل… كذبة كبرى؟

رغم توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994، لم يشعر الأردن أن "السلام" مع إسرائيل حمل معه فوائد حقيقية. لا في المياه، ولا في الاقتصاد، ولا حتى في الأمن. بل إن كثيرًا من الأردنيين – رسميًا وشعبيًا – باتوا يرونه سلامًا هشًا على الورق، وعداءً مستترًا على الأرض.

إسرائيل تواصل سياساتها الاستفزازية تجاه المقدسات، وتتجاهل الوصاية الهاشمية، ولا تحترم حتى أبسط مقومات الشراكة. والأسوأ، أن وجودها أصبح واقعًا مفروضًا على الأردن، يتعامل معه لا لأنه يريد، بل لأنه مضطر.

الضيق الأردني من إسرائيل لم يعد سرًا. في كل جولة تصعيد، يتحول الأردن إلى ساحة مرور أو احتمال ارتداد، بينما الطرف الذي يُفترض أنه "شريك سلام" يتصرف بندّية وتجاهل كامل لحساسية الجغرافيا والديمغرافيا الأردنية.

ثالثًا: المفاعل النووي الإسرائيلي – قنبلة مؤجلة قرب الحدود

يقع مفاعل "ديمونة" في منطقة النقب، على مسافة قصيرة من الحدود الأردنية. أي استهداف له، سواء من إيران أو غيرها، سيكون كارثة بيئية وإنسانية على الأردن أولًا. فالإشعاع لا يتوقف عند حدود، والانفجار لا يعرف المعاهدات.

الأردن، الدولة التي رفضت السلاح النووي ولم تمتلكه، يجد نفسه مهددًا بمفاعل لا علاقة له به، في معركة لا طرف له فيها. وهذه واحدة من مفارقات الجغرافيا المؤلمة

رابعًا: القواعد الأمريكية في الأردن… سلاح ذو حدّين

وجود قواعد عسكرية أمريكية على الأرض الأردنية يضع المملكة في مرمى أي تصفية حسابات. إيران تعتبرها امتدادًا للنفوذ الأمريكي في المنطقة، ما يجعل احتمالية استهدافها واردة. الأردن لا يريد أن يكون منصة للهجوم، ولا أن يتحول إلى ساحة انتقام.

وهنا تتعقّد المعادلة: فالأردن لا يسيطر كليًا على تداعيات تحالفاته، لكنه مطالب بإعادة حساباته الاستراتيجية كي لا يدفع الثمن دون أن يكون هو اللاعب الأساسي.

خامسًا: إلى أين يتجه القرار الأردني؟

الأردن كان دائمًا صوت العقل في الإقليم. لكنه اليوم أمام واقع جديد: الحياد لم يعد كافيًا، والموقع الجغرافي يجعله في قلب كل مواجهة، سواء رضي بذلك أم لا.

المطلوب اليوم:

موقف سياسي أكثر وضوحًا.

تحصين الجبهة الداخلية والتواصل مع الشعب بشفافية.

مراجعة عمق التحالفات.

الاستثمار أكثر في الدفاعات الجوية والتكنولوجيا الاستخبارية.

الأردن دولة سلام، لكن لا يعني ذلك أن تبقى صامتة وسط النار. لا يمكنها تغيير الجغرافيا، لكنها تستطيع أن تغيّر تموضعها الاستراتيجي، وتعيد تعريف علاقتها مع كل من يستخفّ بكيانها.

المنطقة تتغيّر، والتحالفات تُعاد رسمها… فهل يعيد الأردن رسم موقعه بيده، أم يُرسم له من جديد؟ هذا هو التحدي.

مواضيع قد تعجبك