*
الاحد: 14 ديسمبر 2025
  • 29 أيار 2025
  • 11:19
الرياضة الأردنية على مفترق طرق بين صراحة ولي العهد وصمت الإدارات
الكاتب: أ. د. هاني الضمور

خبرني - في زمنٍ طغت فيه المجاملات على الجرأة، وغطّى التزيين على الحقيقة، خرج سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني بكلمات لا تعرف التجميل، بل تصيب صميم الواقع الرياضي الأردني. لم يكن خطابه عادياً، بل أقرب إلى صرخة ضمير. قالها بصراحة نادرة: “الأندية الأردنية ليست بالمستوى المطلوب.”

ليست هذه مجرد ملاحظة عابرة. بل هي رسالة عميقة تحمل قدراً كبيراً من الألم، لكنها أيضاً مشبعة بالأمل. نقد مسؤول صادر عن قيادة ترى الرياضة كما يجب أن تُرى: مشروع وطني، لا رفاهية مؤقتة ولا موسماً إعلامياً.

حين تحدّث سموه عن الرياضة كقوة ناعمة قادرة على توحيد الشعوب والترويج للدولة، لم يكن يصف حلماً مثالياً، بل كان يشير إلى تجارب دول استطاعت أن تبني من الملاعب جسوراً إلى العالم. لكن في الأردن، ما زالت الرياضة تدور في حلقة مفرغة من العشوائية والارتجال، تُدار بعقليات لم تغادر الماضي، ولا تزال تعتقد أن الولاء يسبق الكفاءة، وأن الإدارة تُقاس بمدة البقاء لا بحجم الإنجاز.

نعم، نواجه تحديات اقتصادية وأمنية، لكن ذلك لا يُبرر أن نترك الرياضة تتآكل من الداخل. ما حاجتنا إلى الموهبة إذا كانت تُجهض في المهد؟ ما فائدة الحلم إن لم يجد من يحمله؟ حين أشار سمو ولي العهد إلى أن الكثير من المواهب لم تأخذ حقها بسبب سوء الإدارات، كان يضع المرآة أمام الجميع: إدارات لا ترى إلا نفسها، وجماهير تراقب بلا حول ولا قوة، ومواهب تُدفن لأن الطريق أمامها محكوم بالمجاملات لا بالجدارة.

واقع الأندية التي تعيش على التبرعات يشي بخلل أعمق. هذا النموذج الهش لا يُنتج بطلاً ولا يصنع مؤسسة. سموه لم يطرح الأمر كمجرد ملاحظة، بل دعا بوضوح إلى بناء منظومة اقتصادية متكاملة داخل الأندية، منظومة تضمن الاستمرارية والاستقلالية، وتُخرج الرياضة من عباءة الحاجة الدائمة إلى الدعم الخارجي.

لكن الأخطر من كل ما سبق هو العقلية التي تحكم هذه المنظومة. عقلية قديمة، ترفض التغيير، تخاف من التطوير، وتتحسس من كل فكرة جديدة. حين قال سموه إن هذه الممارسات يجب أن تُعالج، كان يتحدث بلغة من يعرف أن استمرار هذه العقليات يعني ضياع المزيد من الفرص، والمزيد من الأحلام.

هذا التشخيص العميق لم يكن مجرد تسجيل موقف. بل هو دعوة للتحرك، لبداية مراجعة وطنية حقيقية لما آل إليه حال الرياضة. سموه لم يقدّم وصفة جاهزة، لكنه منحنا ما هو أهم: الوعي بالخلل، والإرادة لتغييره. ومن هنا، تقع المسؤولية الآن على كل من يعمل في الحقل الرياضي، وعلى الدولة التي عليها أن تدفع نحو التغيير، وعلى الجمهور الذي يجب أن يطالب لا أن يصفّق فقط.

لقد تحدث ولي العهد بوضوح، وطرح الأسئلة التي لا نحب مواجهتها: لماذا تتكرر الأسماء وتغيب النتائج؟ لماذا يُستبعد المبدع ويُكرم الفارغ؟ لماذا نكتفي بالحضور في الملعب، بينما تغيب مؤسساتنا عن مضمار التقدم؟

تصريحات ولي العهد ليست حدثاً عابراً. بل هي لحظة فارقة في مسار الرياضة الأردنية. لحظة يجب أن تُترجم إلى أفعال لا أقوال. إلى تغيير في الوجوه، والنهج، والنتائج. فإما أن نستجيب لنداء الإصلاح، أو نظل ندور في نفس الدائرة العقيمة التي لم تنتج سوى الخيبة.

فهل ننهض، ونبني أندية تليق بطموح الأردنيين، أم نظل نُحاضر في الحماسة وننام في حضن الأعذار؟

الرياضة على مفترق طرق… وصوت الحسين كان صافراً صافياً. فهل من يسمع؟
 

مواضيع قد تعجبك