*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 25 أيار 2025
  • 22:14
الأردن بين القلم والسيف حكاية استقلال لا تموت
الكاتب: صفوت زيد الطورة

خبرني - ما أعظم أن تتحدث عن وطن لا كحروفٍ تُرتب أو كلماتٍ تُرصّ، بل كحالة شعورية تسكن القلب، وتستقرّ في الجوارح، وتفيض على اللسان فخرًا وعزّة، وأن تتحدث عن وطنٍ اسمه الأردن، يعني أن تفتح نوافذ الذاكرة على نسيم الكبرياء، وأن تُدخل إلى القلب عبير التاريخ حين تعانقه الجغرافيا، وأن تستحضر ذلك اليوم الذي لم يكن يومًا عابرًا في تقويم الحياة، بل يومًا مفصليًا في عمر أمة، وفي نبض الأرض، وفي وجدان الشعب.
فإذا كان للوطن قصيدة تُتلى على مسامع القلب، فإن استقلاله هو القافية التي تُتمّ المعنى، وتُبقي النشيد حيًّا في وجدان كل أردنيٍّ حرّ.
فإن الخامس والعشرون من أيار، ليس كباقي الأيام، إنه عيدٌ لا يُحتفل به فقط، بل يُحتفى بروحه، وتُستعاد من خلاله كل لحظة نضال، وكل وقفة شرف، وكل صرخة ولاء، إنه ذكرى ميلاد السيادة، لا كعنوان سياسي، بل كملامح حياة، وكرامة قرار، وحرية موقف، ففيه وُلدت الدولة من رحم الكرامة، وارتفعت راية الاستقلال لا لتخفق في الساحات فحسب، بل لتخفق في الأرواح، وتعلو فوق الجراح، وتُعلن للعالم أن هذا الوطن ليس تابعًا، ولا هامشًا، بل مركزًا للحكمة، ومنارةً للعزيمة، ورمزًا للصمود.
تأمل كيف سارت الكلمات خلف خطوات التاريخ:
حريةٌ بعد قيد، وكرامةٌ بعد كبت، ودولةٌ بعد تبعية، ورايةٌ بعد رايات الغير....
هذا هو الأردن، ينهض لا يتهادى، يسمو لا يتوارى، يُبنى لا يُباع، يُراد له الانكسار، فيُفاجئ الجميع بالانتصار.
فما كان الاستقلال مجرّد لحظة انفصال عن الاستعمار، بل هو لحظة اتصال بين الحلم والحقيقة، بين القلم والسيف، بين دعاء الجدات وبذل الجنود، بين جبهة القائد ونبض المواطن، لحظة استوت فيها الهوية على عرشها، واستقرت السيادة في دارها، وعلَت الكرامة في جبين هذا الوطن الذي ما انحنى إلا لله، ولا مدّ يده إلا عونًا.
فحين يلوح في الأفق فجر الخامس والعشرين من أيار، لا يُشرق يومٌ عاديّ، بل يولد وطن.
وحين تتصافح الأرض والسماء فوق جبال الشرف الأردنية، لا يتعانق التراب بالهواء فحسب، بل تتعانق الكرامة بالعزة، والتاريخ بالوجدان.
ففي هذا اليوم، لا نُحيي ذكرى، بل نُعيد الحياة لقصيدةٍ كُتبت بالدم لا بالحبر، ونسرد فصلاً من فصول المجد لا يُمحى ولا يُنسى.
فإذا كان للأوطان أن تُروى بسيرة العزّ والتضحيات، فإن الرواية لا تكتمل إلا حين نتأمل الوجه السياسيّ لهذا الوطن، حيث تسير الحكمة جنبًا إلى جنب مع الثبات، والسيادة تلازمها الرؤية، والسياسة تصبح مرآةً صافيةً لضمير الشعب وتاريخ القيادة، فالجانب السياسيّ في هذا الوطن يثبت كل يوم أن الاستقلال لا يعني الانعزال، بل الانخراط بسيادة، والانفتاح بكرامة، وأن الكلمة حين تصدر من عمّان تُصغي لها العواصم، سياسة تمضي على نهج الاعتدال، وتزن المواقف بميزان العقل، فلا تُفرّط، ولا تُزايد، ولا تساوم على المبادئ، فلنا وطنٌ صغير بحجمه، كبير بقراره، نقيّ بموقفه، واضح في رؤيته، يجمع المتناقضين حين يختلفون، ويبني الجسور حين تنهار الطرق.
وفي السياسة كما في الروح، لم تغب فلسطين عن ضمير الأردن، لا كشعار، بل كموقف. وقف الهاشميون حراسًا للمقدسات، لا بالتصريحات، بل بالوقائع، وحمل الأردن عبء القضية، لا على الورق، بل في الواقع، فكلما ضاقت السُبل، ظلّت بوابة عمّان مفتوحة للعدل، وصوتها مرتفعًا باسم القدس، لا تطلب جزاءً، ولا تخشى لومًا.

ومع اقتراب الذكرى التاسعة والسبعين لهذا المجد، نقف لا لنسترجع فقط، بل لنستعد لمرحلة جديدة من العمل، لا الاحتفال، من البناء، لا الترديد، من التجديد لا التكرار، فليس الاستقلال الحقيقيّ لحظة مضت، بل هو ما نثبته كل يوم بأفعالنا، بمواقفنا، بإخلاصنا لهذا الوطن الذي لا يطلب منّا شيئًا سوى أن نكون على قدر اسمه.

فيا أيها الأردني، لا تكن على الهامش، بل كن جزءًا من النص، ولا تكن مجرّد شاهد، بل كن صانعًا، واعلم أن الوطن لا يُبنى بالخطابات، بل بالإخلاص، لا بالتغني، بل بالوفاء، ولا بالتمنّي، بل بالتصميم. وإن كنتَ تبحث عن دور، فدورك يبدأ من حيث أنت، في بيتك، في مدرستك، في مصنعك، في مزرعتك، في حرفتك، في صدقك، في قلبك.

ولأن الخاتمة يجب أن تليق بالمقام، فإننا نختم لا بإغلاق الحديث، بل بفتح الوجدان: طوبى لك يا وطن، يا من لا تكلّ هاماتُنا عن حمل اسمك، ولا تتعب قلوبنا من نطقك، طوبى لك أيها الأردن، من بحر العقبة حتى سفوح الرمثا، ومن جبال الشوبك إلى غور دير علا، تُضيءُ فينا المعنى كلما خمد اللفظ، وتُعيد تشكيل الرجاء كلما بَعُدَ الطريق.

دمتَ يا أردن، وطنًا لا نُشبهه إلا بك، وموطنًا لا نكتفي منه مهما طال البُعد أو اقترب اللقاء. دمتَ سيّد الأرض، وسند الروح، وفجر الاستقلال الذي لا يُطفأ...

عاش الأردن....سيّدًا في قراره، حرًّا في مسيرته، عزيزًا في كرامته، قويًا بشعبه وقيادته.

مواضيع قد تعجبك