*
الثلاثاء: 16 ديسمبر 2025
  • 22 أيار 2025
  • 10:23
الجامعة بين السلطة المعرفية والاستبداد الإداري قراءة في تدهور التعليم الأكاديمي الحديث
الكاتب: الدكتور غسان العذاربة

تمهيد: في زمن يُفترض أن يكون فيه التعليم الجامعي بوابة للحرية الفكرية، والتنمية الإنسانية، أصبح في كثير من الأحيان أداةً للسلطوية، تُمارس فيها هيمنة إدارية وفكرية على حساب الكرامة الأكاديمية، والحق في التفكير النقدي. تهدف هذه الورقة إلى تحليل العلاقة غير المتوازنة بين المؤسسة الأكاديمية والمُنتسبين إليها (طلبة، وأكاديميين، وباحثين)، وكيف تحولت بعض الجامعات إلى فضاء سلطوي محض، تحكمه الحسابات التجارية والمنفعة الذاتية.

أولًا: الجامعة كمؤسسة سلطة وليست فضاءً معرفيًا

لم تعد البعض من الجامعات تُدار وفقًا لأهدافها الجوهرية المتمثلة في نشر المعرفة وتعزيز البحث العلمي، بل تحولت إلى هياكل بيروقراطية تتحكم بها إدارات تسعى إلى ترسيخ نفوذها من خلال:

  • تقنين حرية التعبير باسم النظام.
  • السيطرة على المخرجات البحثية تحت ذرائع التمويل أو السمعة المؤسسية.
  • إحكام قبضة الرقابة على الطلاب والهيئات التدريسية بأساليب إدارية عقابية.

هذه الممارسات تُحيد بالجامعة عن رسالتها، وتحولها إلى سلطة تُمارس التسلط لا التوجيه.

ثانيًا: الأكاديمي المتسلط وتآكل منظومة القيم الجامعية

في ظل غياب الرقابة المهنية والأخلاقية، يظهر نمط من الأكاديميين الذين يُمارسون دورًا سلطويًا تجاه الطلبة وزملائهم، يتجلى في:

  • احتكار المعرفة وعدم تشجيع التفكير النقدي.
  • استغلال الموقع الأكاديمي لفرض آراء أو أيديولوجيات خاصة.
  • التعامل مع الطالب كمُتلقٍ سلبي لا شريك في المعرفة.

هذا السلوك ينسف جوهر العلاقة التعليمية، ويُخرج الأكاديمي من موقعه كقائد فكري إلى موقع المتسلط الإداري.

ثالثًا: التعليم كسلعة: تشويه للرسالة وتحريف للدور

تحوّل التعليم العالي إلى تجارة مادية صريحة أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره. حيث أصبحت الرسوم الجامعية تُحدد على أساس العرض والطلب، لا على أساس خدمة المصلحة العامة. ونتج عن ذلك:

  • تهميش البحث العلمي لصالح البرامج المدرة للدخل.
  • تقليص فرص الطلبة غير القادرين ماليًا.
  • خلق بيئة تنافسية مشوهة لا تخدم سوى رأس المال.

رابعًا: ثغرات قانونية وتنظيمية تسهّل الاستبداد الأكاديمي

  • غياب تشريعات واضحة لحماية حرية الرأي الأكاديمي.
  • عدم وجود آليات فاعلة لمحاسبة التعسف الإداري والأكاديمي.
  • ضعف اتحادات الطلبة وتهميش دورها الرقابي.

كل ذلك يؤدي إلى غياب التوازن بين الإدارة والهيئات الأكاديمية والطلبة، ويُسهم في شرعنة الممارسات الاستبدادية.

خامسًا: مقترحات إصلاحية:

  1. سن قوانين لحماية الحريات الأكاديمية والفكرية داخل الجامعات.
  2. تفعيل الرقابة القانونية والمجتمعية على قرارات إدارات الجامعات.
  3. إعادة تعريف دور الأكاديمي من موظف للمعرفة إلى شريك في إنتاجها.
  4. تنظيم العلاقة المالية بين الطلبة والجامعات بما يضمن العدالة الاجتماعية.
  5. بناء ميثاق شرف أكاديمي وطني ملزم يحكم السلوك الأكاديمي والإداري.

إن الجامعة التي تُقمع الفكر، وتُسعّر المعرفة، وتُسكت النقد، لا يمكن أن تُخرّج مفكرين أحرارًا أو علماء مبدعين. إعادة الاعتبار للتعليم الأكاديمي كرسالة إنسانية، تستدعي مراجعة شاملة للمنظومة من حيث فلسفتها، وأدواتها، وتشريعاتها. وحينها فقط، يمكن للجامعة أن تستعيد دورها كمنارة للحرية، لا كقلعة للاستبداد.

وأخيرا هذه المقالة تُقدَّم لأغراض فكرية وأكاديمية، ولا تتحمّل أية مسؤولية قانونية تجاه أي جهة أو شخص.

 

مواضيع قد تعجبك