*
السبت: 13 ديسمبر 2025
  • 21 أيار 2025
  • 19:40
متحف البترا الكبير
الكاتب: أ.د. محمد بركات الطراونه


 تعدّ مدينة البترا درّة السياحة الأردنية وإحدى أهم الوجهات السياحية في المنطقة والعالم، وهي إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة، ومردّ هذه الأهمية ندرة هذا المنتج وطبيعته المرتبطة بالواجهات المنحوتة في الصخر الرملي الملون، وقد دفع تميّز مدينة البترا وتاريخها السياحي الطويل المجتمعاتِ المحلية الى الانخراط بصناعة السياحة بشكل كبير وضمن شتّى المجالات نحو الاستثمارات الفندقية، والمكاتب السياحية، والمطاعم، والدلالة السياحية، ومحلات بيع التحف، وخدمات الاقامة في الشقق.
 وفي السنوات الأخيرة زاد حجم الاستثمارات في قطاع الفنادق من قبل أبناء المجتمع المحلي خاصة في مدينة وادي موسى، لكنهم، هؤلاء الروّاد في صناعة السياحة الأردنية، يعانون من حين لآخر؛ بسبب الأزمات التي تعصف في هذا القطاع على المستوى العالمي، على نحو ما حصل في جائحة كورونا، وكذلك الأزمات الإقليمية التي تتأثر بها صناعة السياحة في الأردن، أكثر من غيرها من دول الجوار.
بالإضافة إلى الأزمات الإقليمية والعالمية نجد أن قطاع صناعة السياحة في البترا يعاني مشاكل أخرى يمكن وصفها بالدائمة، وعلى رأسها موضوع إطالة مدة اقامة السائح الأجنبي، فالسائح الأجنبي الذي يأتي لزيارة هذا الموقع المميز لا يجد تنوعاً في المنتج المقدّم باستثناء بعض النشاطات المحدودة والتي لا تحتاج الى وقت طويل لتجربتها ومنها برنامج Petra by Night ومنطاد البترا، وهذا الواقع المرتبط بعدم تنوّع المنتج المقدم للسائح الأجنبي يؤثر بالتأكيد على الترويج لهذا المنتج ومحدودية أعداد الزوار خاصة مع زيادة التنافسية في هذا القطاع على المستوى الإقليمي والتركيز على تنوع المنتج السياحي المقدم في دول الجوار؛ لذا يجب أن ندرك هذا الواقع جيدا ونخطط لمستقبل صناعة السياحة خاصة في البترا التي يزداد الضغط فيها على الموقع الاثري بشكل مستمر، فأعداد ابناء المجتمع المحلي الذين يعتمدون على السياحة في توفير قوت يومهم يتنامى بازدياد، سواءً العاملين داخل الموقع الأثري أو في المنشآت السياحية، ولا يخفى على احدى أثر الزيادة في عدد العاملين في السنوات الأخيرة، من مختلف الفئات العمرية، على الموقع الأثري نتيجة الضغط المتزايد والمستمر.   
ولا ننكر محاولات الجهات المعنية في إيجاد الحلول المختلفة لمثل هذه التحديات، لكن هذه الحلول لا تحقق الغاية المرجوة منها بالشكل المطلوب؛ بسبب الحاجة الكبيرة إلى تنوع المنتج السياحي بشكل يخدم جميع الأطراف المعنية بصناعة السياحة، وخير مثال على ذلك القرية الثقافية في منطقة بيضة، والتي كانت الغاية منها تخفيف الضغط على الموقع الأثري وتفعيل الطريق الخلفي لنقل السياح إليها، لكن هذه الفكرة لم تجد قبولا كبيرا من أبناء المجتمع المحلي لأسباب لا مجال لذكرها هنا، ولعل السائح الأجنبي أيضا يحتاج منتجات أكثر جذبا في منطقة بيضة، وبنفس الوقت ما يخدم المجتمع المحلي ويطيل مدة إقامة السائح ويخفف الضغط على الموقع الاثري، ومن هذا الواقع تأتي فكرة منتج سياحي جديد، هذا المنتج المقترح هو متحف وطني كبير في منطقة بيضة يسهم في إطالة مدة إقامة السائح وكذلك تعزيز الترويج للسياحة في البترا، متحف بترا الحالي جهد كبير نشكره ونقدره، لكنه لا يحقق الغاية الأساسية وهي إطالة مدة إقامة السائح أو حتى الجذب السياحي، فمساحة هذا المتحف محدودة جدا، والقطع الأثرية المعروضة داخله قليلة كذلك، ويفتقر إلى وجود الكثير من المرافق الضرورية، نحو المختبرات، والقاعات، ومستودعات القطع الأثرية، والمراد هو متحف كبير يحوي الآف القطع الاثرية من مختلف الفترات الزمنية من تاريخ المملكة على غرار المتاحف العالمية الكبيرة، هذا المتحف يجب أن يضمّ قاعات ومسرحا كبيرا لعرض المواد المختلفة، وتقديم المحاضرات وحتى استضافة المؤتمرات، ويضمّ كذلك مختبرات متخصصة بأعمال التوثيق والصيانة والترميم للقطع الأثرية المختلفة، ومستودعات متخصصة بأعلى المواصفات لحفظ القطع الأثرية من مناطق جنوب المملكة المختلفة، وهذا ما سيسهم في تخفيف الضغط على مستودعات الآثار الأردنية الجديدة في طبربور الكائنة في عمان، التي تنوي دائرة الآثار العامة أن تنقل لها جميع القطع الأثرية من مديريات آثار المحافظات، وهذا أمر ربما يكون فيه نوع من المخاطرة على سلامة القطع الأثرية مستقبلا.
ولا توجد مشكلة في أعداد القطع الأثرية وتوفّر القطع المميزة التي يمكن أن تعرض في هذا المتحف وتشكل عنصر جذب كبير لمختلف أنواع السياح، فمستودعات الآثار لدينا غنية بالقطع المميزة، وأعمال التنقيبات الأثرية مستمرة في الكشف عن المزيد من القطع الجديدة والمميزة، وفي الحقيقة أن متحف الأردن ليس بإمكانه استيعاب كل هذه القطع المميزة، كما أن بعده الجغرافي عن البترا يشكل عائقا أمام زيارته من قبل الأعداد الكبيرة من زوار البترا.
إنشاء متحف وطني كبير في البترا سيكون له أثر كبير على قطاع صناعة السياحة بشكل عام، وسيشكل مصدر دخل سياحي جديد لمختلف الأطراف المعنية بهذا القطاع خاصة إذا ما ترافق ذلك بتقديم المواقع الأثرية المميزة في منطقة بيضة كمنتج سياحي. نتمنى أن يدرس هذا الطرح بعناية من كافة الأطراف المعنية في المستقبل القريب.
 

مواضيع قد تعجبك