*
الثلاثاء: 09 ديسمبر 2025
  • 20 أيار 2025
  • 13:39
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

في زمن تتصاعد فيه الأزمات وتزداد فيه الصراعات تعقيدًا، يطلّ الأردن كدولةٍ ذات حضورٍ إنسانيّ نادر، يثبت أن الكرامة ليست حكرًا على الدول العظمى، وأن الفعل الخيّر لا يحتاج إلى وفرة الموارد بقدر ما يحتاج إلى صدق النية وثبات المبادئ. فقد اختطّ الأردن لنفسه نهجًا متفرّدًا في ميادين العطاء الإنساني والدولي، حتى بات اسمه يرتبط تلقائيًا بكل فعل نبيل وموقف مشرّف.
لم يكن دور الأردن الإنساني طارئًا أو استعراضيًا، بل نابعًا من إيمان راسخ بأن الإنسان هو القيمة العليا التي تستحق الحماية والرعاية، أينما وُجد. وقد كان للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – شرف المبادرة في ميادين حفظ السلام، فسجّل مواقف مشرقة في الدفاع عن المدنيين، وتقديم الإغاثة، وترسيخ الأمن في بؤر التوتر حول العالم، حاملاً على عاتقه رسالة السلام التي يؤمن بها الأردنيون قيادة وشعبًا. ولم يتوقف الأردن عند حدود السلاح في مواجهة الإرهاب، بل تصدّر جبهة الاعتدال، ونشر خطابًا عقلانيًا يحارب الفكر المتطرف بالكلمة الصادقة والعقيدة السمحة.
وفي ميدان اللجوء، شكّل الأردن ملاذًا إنسانيًا لملايين النازحين من فلسطين وسوريا والعراق واليمن، احتضنهم بكرم الضيافة، وقدّم لهم ما يستطيع دون منّة أو ضجيج، متحمّلًا أعباءً ضخمة دون أن يتخلّى عن واجبه الأخلاقي. وعلى امتداد خارطة العالم، امتدت الأيادي الأردنية البيضاء في صمت نبيل؛ فأنشأ الأردن مستشفيات ميدانية متقدمة في غزة والضفة الغربية، وكانت له بصمات واضحة في العراق وكردستان وأفغانستان ولبنان والسودان، حيث كان الطواقم الأردنية الطبية والعسكرية تبذل جهدها لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في أكثر المناطق هشاشة وخطورة.
ويُذكر بكل فخر دور الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، التي شكّلت الذراع النشطة للمملكة في ساحات الإغاثة، وسارعت إلى تقديم العون في لحظات الكوارث الطبيعية والزلازل والفيضانات، كما حدث في المغرب وتركيا ولبنان ومناطق أخرى كثيرة، لتجسّد بذلك صورة الأردن الذي لا يعرف الحياد حين تناديه الإنسانية. هذا الدور لا ينبع من حسابات سياسية أو مصالح آنية، بل من قناعة راسخة بأن العطاء هو من جوهر الهوية الأردنية.
في الداخل، بقيت الجامعات الأردنية منارات علم مشرعة الأبواب أمام الطلبة العرب والأجانب، تحمل إليهم المعرفة، وتزوّدهم بقيم التعايش والاعتدال، ليعودوا إلى أوطانهم حملة فكرٍ نقيّ ورسالةٍ تنويرية. كما فتحت مستشفياتها أبوابها لعلاج آلاف المرضى القادمين من الخارج، من دولٍ أنهكتها الحروب وضعفت فيها المنظومة الصحية، فكان الأردن لهم طوق نجاة ومأوى رحمة.
هذا هو الأردن الذي عرفناه ويفخر به العالم: دولة تتجاوز جغرافيتها الصغيرة لتغدو ضميرًا إنسانيًا حيًا، ورمزًا من رموز الاعتدال والنخوة. دولة تقف دائمًا إلى جانب الإنسان، لا تنتظر مقابلًا، ولا تسعى إلى ضوء الشهرة، بل تكتفي بأن تكون على حق، وفي خدمة من يحتاجها..

مواضيع قد تعجبك