*
الاحد: 07 ديسمبر 2025
  • 15 أيار 2025
  • 10:19

خبرني - اعتبرت الولايات المتحدة نفسها قائدة للعالم الحر، وراعيةً للديمقراطية وحقوق الإنسان، ومظلة لتحالفات استراتيجية تبنى على الاستقرار والثقة، منذ عقود مضت.

إلا أن السنوات الأخيرة، وتحديدا ما بعد عهد الرئيس دونالد ترمب، كشفت عن واقع مغاير تماما، وفق مراقبين، يظهر أن السياسة الأميركية باتت أقرب إلى بورصة مصالح شخصية ونخبوية متقلبة، منها إلى دولة تسير وفق نهج دبلوماسي مؤسساتي مستقر، الأمر الذي انعكس على ثقة العالم بها.

ويرى مراقبون أن أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو تقلب السياسة الخارجية الأميركية بشكل لم يعد متوقعا حتى من أقرب الحلفاء.

فالاتفاقات الدولية والمعاهدات الثنائية، يتابع المراقبون، لم تعد تضمن الاستمرارية، حيث يمكن لأي إدارة جديدة في البيت الأبيض أن تلغي ما أبرمته الإدارة السابقة، كما حدث في ملف الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، والاتفاقيات التجارية مع دول العالم.

ويوضح المراقبون أن هذا السلوك السياسي، الذي يتجاهل مبدأ الاستمرارية في العلاقات الدولية، أفقد واشنطن سمعتها كشريك موثوق، لم يعد بإمكان أي دولة معه أن تبني خطة استراتيجية طويلة الأمد مع حليف قد يتنصل من التزاماته بمجرد تبدل في المزاج السياسي الداخلي أو تغير في ساكن البيت الأبيض.

وبالإضافة لذلك، يقول المراقبون ذاتهم إنه في الوقت الذي تقدم فيه واشنطن نفسها كمنارة قانونية وأخلاقية، تكشف القضايا الداخلية حجم التناقض الصارخ، حيث فضحت، مثلا، محاكمة السيناتور الأميركي السابق بوب مينينديز وزوجته نادين، بتهم فساد ورشاوى وارتباطات مع حكومات أجنبية، مدى تغلغل الفساد داخل النخبة السياسية الأميركية.

وأظهرت تقارير صحفية كيف أدينت زوجة مينينديز بتهم تتعلق بتلقي رشاوى مالية وهدايا ثمينة مقابل استغلال نفوذ زوجها السياسي، فيما تتواصل التحقيقات مع مينينديز نفسه بتهم أكثر خطورة.

ويقول المحللون إن هذه القضية ليست حادثة معزولة، بل تمثل قمة جبل الجليد في شبكة واسعة من المصالح والعلاقات التي تربط سياسيين أميركيين برجال أعمال ودول أجنبية، ضمن ما يشبه “بيزنس التأثير السياسي”.

ولا تقتصر مخاطر السياسة الأميركية المتقلبة على عدم الوثوق باتفاقياتها فحسب، بل تمتد إلى شراكات قد تعرض دولا بأكملها للمساءلة والضرر، خصوصا إذا انكشف لاحقا تورط شخصيات أميركية نافذة في صفقات فساد عابرة للحدود، كما يرى المراقبون.

ويشير المراقبون إلى توقع كشف المزيد من صفقات الفساد، والتي جاءت تلميحا أحيانا أو تصريحا على لسان الرئيس دونالد ترمب، عندما علّق برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، بسبب ذلك الفساد.

ويؤكد هؤلاء أن الانخراط في مثل هذه “الصفقات الرمادية” مع جهات أميركية قد يؤدي إلى تداعيات قانونية ودبلوماسية خطيرة، حيث أنه بمجرد تغير الإدارة، تتحول الشراكة السابقة إلى ملف تحقيق، ويجد الشركاء الأجانب أنفسهم في موقع المتهم أو المُستغل، وسط مناخ سياسي أميركي يغلب المصالح الشخصية على الثوابت الدولية.

بالإضافة لذلك، يرى المراقبون أن رفع الولايات المتحدة لشعارات الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في خطابها السياسي الخارجي، يظهر في الواقع انتقائية واضحة في تطبيق هذه المبادئ، ولاعتبارات مصلحية محضة.

فلا تذكر الديمقراطية، وفق المراقبين، إلا عندما تحتاج واشنطن لتبرير تدخل في دولة ما، أو الضغط على نظام سياسي لا يتماشى مع أجندتها الاقتصادية أو الأمنية، أما حين يتعلق الأمر بحلفاء استراتيجيين ترتبط مصالحهم بمصالح النخبة الأميركية، فتصبح الانتهاكات أمرا مسكوتا عنه، بل ويبرر تحت غطاء "الاستقرار الإقليمي".

ويختم المراقبون بأن المخرج من هذا المشهد المقزز، ينطلق من تعزيز التعددية القطبية، وفتح المجال لتحالفات إقليمية جديدة أكثر توازنا واستقلالية، حيث أن الثقة المفقودة في واشنطن، وفق حديث المراقبين، تدفع العديد من الدول لإعادة النظر في تحالفاتها، والبحث عن بدائل أكثر استقرارا، حتى وإن كانت أقل قوة.

 

مواضيع قد تعجبك