*
الاحد: 14 ديسمبر 2025
  • 12 أيار 2025
  • 18:18
هل يسعى ترمب لترويض نتنياهو أم لتجاوزه   بين رسائل غزة وطهران وضغوط القاهرة وعمّان
الكاتب: محمد صبيح الزواهرة

في خضم التحولات المتسارعة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، تبرز مؤشرات متكررة في سلوك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تثير تساؤلًا جوهريًا: هل تسعى واشنطن إلى كبح جماح بنيامين نتنياهو وتجاوز موقعه التقليدي في معادلة القرار الإقليمي؟ وهل إسرائيل، بتركيبتها اليمينية المتشددة، لم تعد تمثل الحليف “المريح” أو “المفيد” لواشنطن في لحظة تعقيد استراتيجي تحتاج فيها الإدارة الأميركية إلى التهدئة لا التصعيد؟

هذا التساؤل لا يأتي من منطلقات رغائبية، بل من جملة تحركات ووقائع تعكس إعادة هندسة هادئة للتوازنات الإقليمية، ضمن مقاربة جديدة لا تضع “المصالح الإسرائيلية” على رأس الأولويات، بل تركز على إعادة التموضع الأميركي وضبط الساحات الساخنة بما يخدم المصالح الأميركية العليا.

إشارات متراكمة… من غزة إلى طهران

خلال الأسابيع الأخيرة، برزت أربع خطوات متزامنة لإدارة ترامب يمكن قراءتها كمفاتيح لفهم التحول الجاري:
    1.التفاوض غير المباشر مع حركة حماس، عبر وسطاء إقليميين كقطر ومصر، في مسارٍ غير تقليدي تجاوز شروط “الاعتراف بإسرائيل” كمدخل للشرعية السياسية. هذا المسار يعكس براغماتية أميركية متجددة ترى في التهدئة مع حماس مصلحة مباشرة، ولو من خلف ظهر تل أبيب.
    2.وقف الضربات على الحوثيين أو تقليصها، شكّل صدمة في أوساط القيادة الإسرائيلية، التي طالما نظرت إلى صراع اليمن بوصفه امتدادًا لمواجهة المشروع الإيراني. هذا التراجع الميداني يعكس استعدادًا أميركيًا للانخراط في مسار سياسي مع أطراف كانت تُصنّف سابقًا “كأذرع إرهاب”.
    3.عقد أربع جولات من التفاوض مع الإيرانيين في ظل احتدام التوترات الإقليمية. هذه الجولات، رغم ما يكتنفها من غموض، تؤشر إلى تحول تكتيكي في مقاربة إدارة ترامب يقوم على قاعدة “لا تصعيد، لا تنازلات كبرى”، لكنه يضع حدًا لخطاب نتنياهو التصعيدي والدائم ضد طهران.
    4.التحضير لزيارة ترامب إلى الخليج ضمن أجندة غير معلنة، تتضمن نقاشات حول إعادة تموضع القوات الأميركية، وتحديث مفهوم الشراكة الأمنية مع الحلفاء، وتنظيم مسارات التطبيع… لكن دون أن تكون إسرائيل طرفًا مباشرًا، على عكس ما كان عليه الحال في اتفاقات أبراهام.

نظرية التوازن عبر إعادة التموضع

يمكن قراءة هذه التحركات من خلال ما يُعرف في أدبيات العلاقات الدولية بـ”نظرية التوازن عبر إعادة التموضع” (Balance through Realignment)، التي تفترض أن القوى الكبرى لا تسعى إلى فرض الهيمنة المطلقة، بل إلى إعادة توزيع الأدوار والنفوذ بما يتوافق مع الوقائع المتغيرة على الأرض، وبما يضمن تقليل الأكلاف وتعظيم العوائد.

وفق هذه المقاربة، يبدو أن إدارة ترامب لم تعد ترى في نتنياهو أصلًا استراتيجيًا مضمون العائد. بل بات، من وجهة نظرها، عنصر إرباك يُعطّل فرص التهدئة، ويعرقل تفاهمات ضرورية مع قوى إقليمية مؤثرة. استمرار نتنياهو في التوسع الاستيطاني، ورفضه الدخول في أي تسوية منصفة، وتهديداته المتكررة ضد لبنان وغزة، وضعته في خانة “الزعيم غير القابل للضبط”، وهو ما يتعارض مع منطق الشراكة.

ضغوط القاهرة وعمّان… ومبادرة عربية لا تمر من تل أبيب

التحول في المزاج الأميركي ليس منعزلًا عن الضغوط التي تمارسها قوى إقليمية وازنة، وعلى رأسها مصر والأردن. فالمبادرة المصرية عبر جامعة الدول العربية لإعادة إحياء “حل الدولتين”، والضغوط الأردنية المتواصلة لمنع تقويض الوضع القانوني والتاريخي في القدس، دفعتا واشنطن إلى إعادة التفكير في كُلفة دعم السياسات التوسعية الإسرائيلية، التي من شأنها تفجير المنطقة وتعقيد العلاقات الأميركية مع حلفائها.
الإدارة الأميركية باتت تُدرك أن التمسك الأعمى بسياسات نتنياهو يُفقِدها أدوات النفوذ الإقليمي، ويعزّز من خطاب الخصوم، ويجعلها أسيرة لعقيدة اليمين الديني الإسرائيلي، الذي لم يعد قادرًا على إنتاج الاستقرار.

ما يجري ليس قطيعة بين واشنطن وتل أبيب، بل إعادة ضبط للعلاقة وفق أولويات المرحلة. فترامب، في سعيه لتعزيز صورته كصانع صفقات، يبدو أكثر ميلًا لترويض نتنياهو لا الاشتباك معه، لكن ضمن حدود لا تسمح بتهديد المصالح الأميركية في المنطقة أو تقويض تفاهماتها مع العواصم المؤثرة.

لقد بات واضحًا أن الإدارة الأميركية، وبضغط عربي متزايد ووعي إستراتيجي جديد، ترى أن على إسرائيل كبح جماح طموحاتها التوسعية، لأن تفجّر المنطقة بات احتمالًا حقيقيًا يتناقض جذريًا مع أهداف واشنطن بإعادة التموضع والتركيز على صراعات كبرى خارج الإقليم.

مواضيع قد تعجبك