في ظل التعليمات الصارمة التي يفرضها البنك المركزي الأردني على البنوك لضمان نزاهة التقييمات العقارية، وتولي دائرة الأراضي والمساحة مسؤولية إدارة معاملات إزالة الشيوع وفق قانون الملكية العقارية الجديد، واعتماد المحاكم المختصة على الخبراء العقاريين في قضايا النزاعات المدنية والتعويضات والاستملاكات، برزت مشكلة ضعف الأتعاب الممنوحة لمقدري العقارات في مختلف هذه الجهات، مشكلة تتطلب وقفة وطنية جادة لمعالجتها.
التقدير العقاري... مهنة محورية تُقابل بأتعاب لا تليق بحجم المسؤولية!!!
التقدير العقاري ليس مجرد رأي فني، بل هو عملية دقيقة تستند إلى قواعد مهنية راسخة، وتتطلب خبرة ومعرفة والتزامًا صارمًا بالمعايير المحلية والدولية.
ورغم جسامة هذه المسؤولية، ما زال الخبير العقاري يتقاضى أتعابًا متدنية سواءً عند عمله مع:
- - البنوك في إطار التسهيلات والتمويل العقاري.
- - دائرة الأراضي والمساحة عند تنفيذ معاملات إزالة الشيوع .
- - المحاكم في دعاوى إزالة الشيوع بالطرق القضائية، ودعاوى الاستملاك، ونزاعات التعويض عن أضرار العقارات. والبيوع بالمزاد العلني............ الخ .
1- الجهات الرقابية والتنظيمية القائمة
- - البنك المركزي الأردني يشترط على البنوك الالتزام بتقييمات معتمدة، ويراقب جودة الضمانات العقارية.
- -الإدارة العامة للبنوك تتابع بشكل دوري ملفات التقييم العقاري للتأكد من دقة البيانات.
- -جمعية البنوك تدعم تطوير معايير التقييم رغم أن دورها استشاري.
- -دائرة الأراضي والمساحة، بموجب قانون الملكية العقارية الجديد، تدير إجراءات إزالة الشيوع وتستند إلى تقديرات الخبراء
- - المحاكم المختصة تعتمد على تقديرات الخبراء العقاريين للفصل في القضايا المرتبطة بالعقار، لكنها لم تواكب التغيرات الاقتصادية في تقدير قيمة الأتعاب.
رغم هذا التنظيم، لم يتم بعد توفير حماية كافية للمقدرين فيما يتعلق بضمان أتعاب عادلة تتناسب مع أهمية دورهم، والمسؤولية الكبيرة التي يتحملونها . وهم مرخصين ومعتمدين وتترتب عليهم التزامات مالية ورسوم وتراخيص لا تتناسب مع حجم تلك المسؤوليات الكبيرة .
2- أثر تدني الأتعاب على جودة الأداء والاستقرار المالي والقضائي .
إن ضعف أتعاب الخبراء ينعكس سلبًا على عدة مستويات:
- - تراجع جودة ودقة التقديرات العقارية.
- - ارتفاع نسب الأخطاء في القيم المقدرة، مما يؤثر على حقوق الأفراد والشركات والمؤسسات المالية.
- "- قد يؤدي ضعف أتعاب الخبراء إلى التأثير على كفاءة العمل الفني، بما قد ينعكس على ثقة الأطراف بإنصاف نتائج الإجراءات الإدارية والقضائية.".
- - تعريض أموال البنوك ومدخرات الأفراد للخطر عبر تقييمات قد لا تكون دقيقة نتيجة إحباط أو عدم تحفيز الخبراء.
- -تهديد مباشر لاستقرار القطاع المصرفي وسوق العقارات والعدالة في المنازعات.
- - بسبب انخفاض الأجور، يتجه كثير من المقدرين المحترفين إلى رفض التعامل مع بعض المؤسسات المالية، ما قد يؤدي إلى تراجع جودة التقييمات العقارية.
- - بعض الجهات الرسمية اللجان الفنية قد تعتمد صرف أتعاب منخفضة دون النظر إلى حجم العمل والمسؤولية والخبرة المطلوبة.
- - كما حدث في أزمة الثمانينات المالية، فإن ضعف ممارسات التقدير وعدم دقة التقييم قد يؤديان إلى أزمة تمويلية تهدد البنوك والاقتصاد ككل.
- - دخول مقدرين غير مؤهلين إلى السوق بسبب تدني الأتعاب، مما يضر بسمعة المهنة ويزيد من أخطاء التقدير.
- يقع المقدّر أحيانًا تحت ضغوط غير مشروعة لرفع أو خفض القيمة بما يخالف المعايير، خصوصًا مع ضعف الدعم المؤسسي والرقابي.
وهذا لايعني بأن هناك قصورا لدى الخبراء نتيجة ما تم ذكره اعلاه بل أن هذه المعطيات يتم الاشارة اليها لمعالجتها ولأهميتها في حال استمرار الوضع لما هو عليه من اعباء اصبحت تشكل ظاهرة سلبية على الاقتصاد الكلي والجزئي وهي مسؤولية وطنية يجب اعطائها الاهمية القصوى في المعالجة .
3- دعوة وطنية لإصلاح المنظومة
لم يعد مقبولًا أن تبقى مهنة التقدير العقاري أسيرة أجور لا تليق بحجم المهام والمسؤليات الموكلة إليها. وعليه، فإننا ندعو إلى:
- - إصدار تعليمات وأطر تشريعية تضع حدًا أدنى ملزمًا لأتعاب مقدري العقارات حسب نوع وطبيعة المهمة (تمويل عقاري – إزالة شيوع – استملاك – تعويضات – بيع مزاد علني ).تلبي حجم المسؤوليات .
- - مراجعة وتحديث جداول الأتعاب المعتمدة لدى البنوك والمحاكم ودائرة الأراضي بما يواكب الواقع الاقتصادي والمسؤوليات .
- - تعزيز الحماية القانونية للخبراء أمام الشروط المجحفة التي قد تفرض عليهم سواء من البنوك أو من خلال العقود الإدارية.
- - التأكيد على أن العدالة الاقتصادية للخبير هي جزء لا يتجزأ من العدالة العامة ومن حماية النظام المالي والقضائي.
4- التقدير العادل... أولوية وطنية لا تقبل التأجيل
"إن مقدري العقارات يشكّلون الركيزة الخفية لصمود النظام المالي، والضمانة الفنية الأولى لتحقيق العدالة في المعاملات العقارية. ولعل من أبرز الدروس المستفادة بهذا الخصوص من الأزمة الاقتصادية العالمية في مطلع الثمانينيات، وانهيار كبرى مؤسسات التمويل العقاري في الولايات المتحدة، نتيجة التخبط والعشوائية في عمليات التقدير العقاري كانت من أهم الأسباب المباشرة لحدوث ذلك الانهيار المدوي والازمة الاقتصادية العالمية مما يؤكد أن التقدير العقاري الدقيق ليس مجرد خدمة مساندة، بل هو خط الدفاع الأول عن الاستقرار المالي والاقتصادي." ومن غير المنطقي أن يُطلب منهم أداء مسؤوليات ضخمة في ظل أتعاب هزيلة لا تعكس المخاطر والمساءلة القانونية التي يتحملونها.
لقد آن الأوان لصحوة وطنية حقيقية تجاه دعم أتعاب مقدري العقارات، ليس من باب المنفعة الفردية، بل باعتباره استثمارًا مباشرًا في حماية الاقتصاد الوطني"ومساندة السلطة القضائية في إصدار القرارات العادلة والمنضبطة وفق أحكام القانون، بما يعزز بيئة العدالة العقارية ويضمن حماية الحقوق والمراكز القانونية.".وكذلك مساندة قطاع البنوك ودائرة الاراضي والمساحة وكافة الجهات المعنية في الامر .
إن احترام مهنة التقدير العقاري، والالتزام بأتعابها، هو تجسيد لاحترام حقوق الخبير، وصون لحقوق المؤسسات، وحماية لحقوق المواطنين، وتعزيز لركائز الاقتصاد الوطني. فبهذا الاحترام تُبنى الثقة، ويُصان العدل، وتُحمى مصالح الوطن. ونعاهد الله أن نبقى جنودًا أوفياء في خدمة الأردن العزيز، مخلصين لقيادتنا الهاشمية الحكيمة، التي نفاخر بها ونعتز، ونستظل برايتها الرفيعة بكل فخر وولاء.