في الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل: "إن التغيير هو الثابت الوحيد في السياسة، والتعديل الوزاري هو ترجمته العملية." وفي الحاضر، يُقال: "التعديل الوزاري ليس دوماً اعترافاً بالفشل، بل أحياناً إعلان غير مباشر عن تغيير قواعد اللعبة السياسية."
وما بين الماضي والحاضر، تتأرجح الحالة الأردنية حول التعديل الوزاري المثير للجدل، وسط عدم وضوح غير حاسم، ولا نعلم في أي اتجاه يسير بين النمطية والتردد. فلماذا هذا الإلتباس؟ ولماذا هذا التأجيل؟ لنجد أن التعديل المرجو لم يعد قرارًا تنظيميا فحسب، بل أصبح مرتبطًا بإعتبارات سياسية تؤثر على موعد التعديل والأسماء، حيث تحوّل التعديل الوزاري، في هذا التوقيت الحرج، من أداة لتحسين الأداء الحكومي إلى مؤشر سياسي يعكس عمق التحولات والتحديات في بنية الدولة الأردنية.
في قراءة سريعة للمشهد خلال العقدين الماضيين (2005–2025)، لم تكن التعديلات الوزارية في الأردن إستثناءً، بل أصبحت جزءًا من روتين سياسي متكرر، بمعدل يتراوح بين 3 إلى 5 تعديلات سنويًا، أي تعديل واحد كل 2 إلى 4 أشهر. هذا التكرار عكس غياب لإستقرار حكومي حقيقي، وطرح تساؤلات حول جدوى هذه التعديلات، ومدى ارتباطها بإصلاح حقيقي، أو كونها مجرد إعادة تدوير للوجوه ضمن حسابات توازن داخلية.
ومع دخول حكومة الدكتور جعفر حسان شهرها الثامن دون تعديل، برز سؤال جوهري: لماذا هذا الإختلاف في تعديل يبدو أنه بات مطلوبًا في ظل الصراع الحكومي البرلماني والتغيرات الداخلية والمؤثرات الخارجية واهمها الطرف الأمريكي -الإسرائيلي ؟ والواقع أن ملف التعديل الوزاري بات مرتبطًا بإعتبارات سياسية كبرى، تتجاوز رغبة رئيس الحكومة، وتخضع لحسابات أوسع وأعمق.
التعديل الوزاري المقبل، إن تم، سيكون مرهونا بالقضايا لا بالمواعيد الزمنية. ومدارًا من سلطة عليا تتعامل مع المسألة كجزء من ترتيبات أشمل لإعادة تشكيل المشهد السياسي. ويرتبط التعديل بتحولات كبرى في ملفات حساسة ذات أولوية، مثل الإصلاحات السياسية وتداعياتها على الحياة الحزبية والإنتخابية. تتناسب وقانون الأحزاب والإنتخاب ،كذلك الوضع القانوني لحزب جبهة العمل الإسلامي، والتوجه المحتمل لإنهاء الملف ،وترتيبات عليا قد تشمل مواقع سيادية أو أمنية حساسة، واستحقاقات تشريعية مرتقبة.كل هذه العوامل تجعل من التعديل الوزاري استحقاقًا سياسيًا مؤجلًا، لكنه مرجّح الحدوث في عام 2025.
ولا نغفل أن الرأي العام الأردني إعتاد رؤية مقدمات واضحة تسبق أي تعديل وزاري، مثل التسريبات، أو تصعيد نيابي، أو تراجع في الأداء الحكومي. أما الغموض الحالي، فيعكس أن القرار مؤجل لحسابات سياسية دقيقة، لا لغياب الحاجة الفعلية للتعديل.وفي هذا السياق، فإن أي تعديل وزاري لن يكون مجرد إستبدال أسماء، بل جزء من إعادة تموضع داخلي يشمل ربما تحصين الحكومة أمام بعض التيارات السياسية.وتمهيد الأرضية التشريعية و إعادة التوازن بين الحكومة والبرلمان.. وهو ما قد ينعكس في التشكيلة الحكومية من خلال إخراج شخصيات محسوبة على تيارات تصالحية.وإدخال وزراء أكثر تشددًا تجاه الإسلاميين.والهدف ليس التصعيد، بل تهيئة بيئة سياسية "مُنضبطة" تمهيدًا للإنتخابات المقبلة، وتنظيم المشهد الحزبي ضمن خريطة الدولة الجديدة.
ونتفق جميعًا أن اللحظة الإقليمية شديدة الحساسية من حرب غزة، التعنت الأمريكي، التصعيد الإيراني-الإسرائيلي، الميليشيات على حدود سوريا والعراق، الوضع الهش في لبنان، والضغط الشعبي الداخلي المتضامن مع فلسطين. كل هذه المعطيات تحوّل التعديل الوزاري مرة أخرى من إجراء داخلي إلى أداة استراتيجية لإعادة التموضع السياسي للدولة، داخليًا وخارجيًا.
وقد يكون التعديل وسيلة لإدخال وزراء يتمتعون بغطاء سياسي أو حزبي، أو بقدرة فنية عالية لإدارة ملفات أمنية واقتصادية خارجية حساسة. كما قد يكون التعديل المرتقب رسالة تطمين للخارج (صندوق النقد، دول الخليج، واشنطن القرار) بأن الدولة في حالة استعداد كامل لمواجهة أي سيناريو محتمل.
و يمكن النظر إلى التعديل الوزاري المقبل على أنه إيجابي إذا رافقه تغيير حقيقي في النهج، وأعاد الثقة بالعمل الحكومي، وأدخل كفاءات قادرة على التعامل مع التحديات. أما إذا اقتصر على تدوير الأسماء دون رؤية واضحة، فسيتحول إلى عبء جديد، ويعكس تخبطًا في القرار السياسي.
ويجب ان نعلم ان هذا التعديل الوزاري المرجو امتحان قاسي للحكومة في ظل الصراع بين الحكومة والبرلمان والذي يعكس تحولًا عميقًا في الديناميكيات السياسية في المملكة في وقتنا الحالي . هذا الصراع ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو صراع على المستقبل السياسي والإجتماعي للأردن في ظل التحديات الإقتصادية والإقليمية التي تواجهها البلاد. في النهاية، ستظل دلالة هذا الصراع على قدرة الحكومة في الحفاظ على استقرارها السياسي، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الإصلاحات الداخلية وضغوط التغيرات الإقليمية.
إذن أمام الحكومة الأردنية فرصة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد ، ليس فقط لضبط الداخل، بل أيضًا للتفاعل مع الإقليم وتحقيق توازن سياسي ضروري. والسؤال لم يعد: هل سيكون هناك تعديل؟ بل: هل سيكون التعديل على قدر التحدي؟...




