خبرني - صيام الستة أيام من شهر شوال هو صيام ستة أيام تطوعًا بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وهو سنة مؤكدة ومستحبة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وله فضل عظيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" (رواه مسلم)، بمعنى أن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان يعادل صيام عشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال يعادل صيام شهرين، وبذلك يكون المجموع سنة كاملة.
• يبدأ وقت صيام الستة أيام من شوال بعد انتهاء يوم عيد الفطر، حيث يحرم صيام يوم العيد، ويمتد هذا الوقت حتى نهاية شهر شوال، ويُفضل المبادرة بصيامها بعد العيد مباشرة، لكن يجوز تأخيرها وتفريقها على أيام الشهر حسب ما يتيسر للصائم.
• للمسلم حرية اختيار كيفية صيام الستة أيام من شوال وفق ما يناسب ظروفه، إذ يمكن صيامها متتابعة بعد عيد الفطر مباشرة، يمكن تفريقها على أيام الشهر، ويمكن أيضاً صيامها في أيام الاثنين والخميس من الشهر، كما يمكن صيامها في أيام البيض "13-14-15 من الشهر القمري".
• يُشترط لصيام الستة أيام من شوال أن يكون المسلم قد أدى فريضة صيام رمضان كاملة، فإذا كان عليه قضاء من رمضان، فالأولى أن يبدأ بقضاء ما عليه من رمضان ثم يصوم الستة من شوال، وإن خشي فوات شهر شوال قبل إتمام القضاء، فيجوز له أن يصوم الستة من شوال أولاً ثم يقضي ما عليه من رمضان، وله الأجر إن شاء الله.
• صيام الستة أيام من شوال سنة مستحبة وليست واجبة، وهذا هو رأي العلماء، فلا يأثم المسلم بتركها، ولكنه يفوت على نفسه أجراً عظيماً، وقد اختلف العلماء في مشروعيتها، فذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى استحبابها، بينما ذهب الحنفية إلى كراهة تخصيص هذه الأيام بالصيام خشية أن يظن الناس وجوبها.
• من فوائد صيام الستة أيام من شوال، تكفير ما قد يكون حصل من نقص أو خلل في صيام رمضان، وهو دليل على شكر الله تعالى على نعمة التوفيق لصيام رمضان وإتمامه، دليل على رغبة المسلم في المداومة على الطاعة والاستمرار عليها، بالإضافة إلى تعويد النفس على الصبر والمواظبة على العبادة، وتمثل هذه السنة العظيمة فرصة للمسلم لمواصلة العمل الصالح بعد شهر رمضان، والاستمرار في التقرب إلى الله عز وجل بالطاعات والعبادات، والحصول على ثواب عظيم يعادل صيام العام كله.
قضاء أيام رمضان
• قضاء أيام رمضان هو تعويض الأيام التي أفطرها المسلم خلال شهر رمضان لعذر شرعي، وهو أمر واجب على كل من أفطر في رمضان لسبب مشروع، امتثالاً لأمر الله تعالى في القرآن الكريم: "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة: 184)، فهذه الآية توضح أن من أفطر لمرض أو سفر عليه أن يقضي عدداً من الأيام مساوياً للأيام التي أفطرها، وينطبق هذا الحكم على جميع الأعذار الشرعية التي تبيح الفطر في رمضان.
• هناك عدة أعذار شرعية تبيح للمسلم الفطر في رمضان مع وجوب القضاء، ومنها المرض، حيث يجوز للمريض الذي يضره الصوم أو يؤخر شفاءه أن يفطر، ثم يقضي بعد الشفاء، السفر، إذ يجوز للمسافر مسافة تقصر فيها الصلاة أن يفطر، ثم يقضي بعد العودة من سفره، ويجوز للمرأة الحامل والمرضع الإفطار إذا خافت على نفسها أو على جنينها أو رضيعها، ثم تقضي لاحقاً.
• يحرم على المرأة الحائض والنفساء الصوم، ويجب عليهما القضاء بعد الطهر، وأيضاً كبير السن الذي لا يقدر على الصوم مؤقتاً ثم يتحسن حاله، يفطر ويقضي عند القدرة.
• يمتد وقت قضاء رمضان من بعد انتهاء شهر رمضان إلى قبل دخول رمضان الذي يليه، ويستحب المبادرة بالقضاء وعدم تأخيره، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان" متفق عليه، ويجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان التالي لعذر، ولكن يُكره التأخير بدون عذر.
• إذا أخّر القضاء حتى دخل رمضان آخر بدون عذر، فعليه القضاء مع الفدية عند جمهور العلماء، وهي إطعام مسكين عن كل يوم مع القضاء، ويجوز قضاء أيام رمضان متتابعة أو متفرقة، بحسب ما يتيسر للمسلم، لقوله تعالى: "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ"، حيث لم يشترط الله تعالى التتابع في القضاء، ومع ذلك، فإن المبادرة بالقضاء والتتابع فيه أفضل للخروج من العهدة وإبراء الذمة.
• من مات وعليه صيام من رمضان، فقد اختلف العلماء في حكمه، حيث ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لوليه (أقاربه) أن يصوم عنه، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق عليه، وذهب بعض العلماء إلى أنه يُطعم عنه مسكين عن كل يوم، ولا يصام عنه، وذهب آخرون إلى التخيير بين الصيام والإطعام.
• يجب تبييت النية من الليل لصيام القضاء عند جمهور العلماء، لأن قضاء رمضان صيام واجب، والصيام الواجب يشترط له تبييت النية من الليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يُبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له"، ومن أخّر قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل رمضان آخر، فعليه القضاء والفدية عند جمهور العلماء، والفدية هي إطعام مسكين عن كل يوم أخّره، أما إذا كان التأخير لعذر مشروع، فعليه القضاء فقط بدون فدية.
• قضاء أيام رمضان من الأحكام المهمة التي ينبغي للمسلم معرفتها والعناية بها، لإبراء ذمته وإتمام عبادته على الوجه الشرعي الصحيح، وينبغي المبادرة بالقضاء وعدم التهاون فيه حتى لا تتراكم الأيام ويصعب قضاؤها.
الجمع بين صيام الستة أيام من شوال وقضاء أيام رمضان
• مسألة الجمع بين نية قضاء أيام رمضان ونية صيام الستة أيام من شوال في آن واحد من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، إذ ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة الجمع بين نية القضاء ونية صيام الستة من شوال بنية واحدة. واستدلوا بأن القضاء واجب والستة من شوال تطوع، والعبادات المفروضة لها نية مستقلة لا تتداخل مع غيرها.
• وأن صيام الستة من شوال مشروط بإكمال صيام رمضان أولاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال"، فلا بد من إكمال صيام رمضان قبل البدء بصيام الستة، وأن العبادات المختلفة لا يمكن أن تتداخل، فالقضاء غير الستة من شوال في الحكم والغرض.
• ذهب بعض المتأخرين من الفقهاء، وهو اختيار بعض العلماء المعاصرين، إلى جواز الجمع بين نية القضاء ونية صيام الستة من شوال، واستدلوا بأنه "يجوز أن ينوي بالفعل الواحد عبادتين من جنس واحد إذا لم تكن إحداهما شرطاً للأخرى"، فكلاهما صيام، ويمكن أن يتداخلا، وقياساً على جواز الجمع بين نية صلاة الفريضة وتحية المسجد بصلاة واحدة، أو بين السنة الراتبة وقيام الليل.
• فضلا عن أن المقصود من صيام الستة من شوال هو تحصيل ثواب صيام الدهر، وهذا يحصل حتى مع نية القضاء.
• الرأي الأرجح هو قول الجمهور بعدم صحة الجمع بين النيتين؛ لقوة أدلتهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم أتبعه"، ما يدل على الترتيب والفصل بين صيام رمضان أو قضائه وبين صيام الستة، وينبغي للمسلم الذي عليه قضاء من رمضان وأراد تحصيل فضيلة صيام الستة من شوال أن يبادر بقضاء ما عليه من أيام رمضان أولاً، ثم يصوم الستة من شوال إذا بقي من الشهر ما يكفي.
• إذا خشي خروج شهر شوال قبل إتمام القضاء، فله أن يصوم الستة أولاً ثم يقضي ما عليه من رمضان بعد ذلك، لأن صيام الستة وقته محدد بشوال، بينما قضاء رمضان وقته موسع إلى رمضان القادم، ولا ينوي بصيامه في شوال إلا القضاء فقط، ويحتسب أجر صيام الستة عند الله تعالى من باب نية المؤمن خير من عمله.
• يظهر الخلاف في هذه المسألة في قول الجمهور بأن من نوى بصيامه في شوال القضاء والستة معاً، يقع عن القضاء فقط ولا يحصل فضل الستة، وعلى قول المجيزين بأن من نوى بصيامه في شوال القضاء والستة معاً، يقع عن كليهما ويحصل فضل العبادتين.
• الأفضل للمسلم الذي عليه قضاء من رمضان أن يقدم القضاء ثم يصوم الستة من شوال إن أمكن، وإن لم يتمكن فيقضي ما عليه أولاً، ويحتسب الله له أجر نيته للستة.




