إحنا نقترب من أعتاب شهر أيار 2025، وبعده رح يصير حبس المدين ذكرى من الماضي، باستثناء حالتين بس: دين بدل إيجار، وحقوق عمالية.
يعني لو إنك أعطيت شخص عشرين ألف دينار وكتب لك كمبيالة، وما دفع، لا حبس ولا إلزام، بس قُلبي وورقة حكم!
نعم، هذا هو المشهد المنتظر بموجب التعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ الأردني.
حبس المدين: من أداة ضغط إلى أداة جدل
خلينا نحكي بصراحة، الحبس مش وسيلة لتحصيل الدين فعلًا، لكنه كان أداة ضغط بتخلي المدين يا يدفع، يا يتفاهم، يا يرتّب أوضاعه.
بعد التعديل، انشالت هاي الأداة، وصار المدين محمي حتى لو كان مماطل، ومش بس معسر.
نص المادة 23 من قانون التنفيذ صار شبكة أمان للمدينين، لكنها بنفس الوقت مقصلة للدائنين.
بتقول:
ما بصير تحبس مدين عليه أقل من 5 آلاف،
ولا مدين عنده تأمين عيني،
ولا مدين بينه وبين الدائن صلة قرابة،
ولا مدين عنده ولد عمره أقل من 15 سنة،
ولا مريض،
ولا معسر،
ولا مفلس،
ولا حامل،
ولا أم مرضعة...
وبعد أيار؟ حتى اللي عليه مئة ألف، إذا مش بدل إيجار أو عمل، ما عليه حبس!
الحبس والكرامة الإنسانية: شو بتحكي الاتفاقيات الدولية؟
هون بييجي الكلام الكبير، وبيحكوا المدافعين عن الإلغاء:
"فيه اتفاقيات دولية بتحرم حبس المدين، منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية."
صح، المادة (11) من العهد بتحكي:
"لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي."
بس خلينا نوضح:
1. المادة (11) بتحكي عن العجز، مش التهرب.
اللي ما معه، ما بنحبسه، وهذا كان معمول فيه أصلاً بقانون التنفيذ من زمان من خلال الإعسار والإفلاس.
2. الاتفاقية ما ألزمت الدول بإلغاء الحبس كليًا، بل بتمنعه فقط لو الدين غير مصحوب بقدرة على الدفع.
يعني مش كل مدين مظلوم، ومش كل دائن جشع.
3. وفي دول كثير مثل فرنسا، ولبنان، ومصر، وتركيا… الحبس المدني ما زال موجود كأداة ضغط بشروط.
إلغاؤه الكلي مش "تقدم"، بل انسحاب من حماية الدائن.
الواقع الأردني: مش سويسرا يا جماعة!
في الأردن، التعاملات التجارية كثير منها غير موثق بشكل مؤسسي، وفيه آلاف الأردنيين باعوا بالتقسيط بناء على كمبيالة أو شيك أو "كلمة رجال".
التعديلات بتجيهم مثل الصاعقة.
كيف بدك تحمي التاجر الصغير، أو الموظف اللي حوّش من راتبه وسلف صديقه أو قريبه؟
كيف بدك تقنع الدائن إنه يثق بأي عقد بعد اليوم؟
آثار كارثية قادمة:
1. نهاية ثقافة البيع الآجل: التجار راح يطلبوا كاش فقط، والفقير ما رح يقدر يشتري.
2. انكماش اقتصادي: التقسيط هو العمود الفقري لحركة السوق، خصوصاً في العقار والسيارات والأثاث.
3. زيادة الاحتيال: ما دام ما في حبس، فالكمبيالة صارت "شرفية" فقط.
4. تآكل مهنة المحاماة: قضايا التنفيذ راح تنهار، والناس تبطل تلجأ للمحاكم لتحصيل حقوقها.
5. زيادة الكراهية المجتمعية: لما القانون يعجز عن الإنصاف، الناس رح تلجأ للرد الشخصي، والعنف، والفضائح الإلكترونية.
الحل؟ مو بإلغاء الحبس، بل بتنظيمه وضبطه:
حبس من يتهرب متعمدًا، مش من يثبت إعساره.
فرض كشف ذمة مالية شفاف تحت طائلة الحبس الجزائي لو كذب.
منع السفر ووقف الخدمات الحكومية للمدين المتهرب.
تفعيل نظام جدولة إلزامي يشرف عليه القضاء.
العدل مش انحياز
إلغاء الحبس بهذا الشكل مش قانون تقدمي، بل قرار متسرع يفتح باب الفوضى الاقتصادية، وبيحط الدائن – والمجتمع كله – تحت رحمة المتهرب والمراوغ.
نعم، نريد كرامة للمدين… لكن دون سحق كرامة الدائن.
نعم، نرفض سجن الفقراء… لكن نرفض أيضاً حماية المحتالين.
ما بعد أيار، الكرة بملعب الدولة: هل تحمي التوازن، أم تتركنا وحدنا نحمي حقوقنا؟




