خبرني - كانت شريحة الأمريكيين من أصل عربي واحدة من الشرائح التي حقق فيها الرئيس دونالد ترمب اختراقاً انتخابياً ساهم بفوزه في الانتخابات وعودته إلى البيت الأبيض.
وكانت غالبيتهم قبل ذلك تميل إلى التصويت لخصوم ترمب السياسيين في الحزب الديمقراطي. يعود ذلك إلى أسباب كثيرة، أهمّها أن الحزب الديمقراطي هو في العادة حزب المهاجرين الجدد، إذ كان يُعتَقَد أنه أكثر انفتاحاً على الهجرة والمهاجرين.
كما يركز الحزب الديمقراطي على برامج الدعم الحكومي والرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، وكثير منهم من المهاجرين. إضافة إلى أن حزب ترمب الجمهوري خسر الكثير من التأييد في صفوف الأمريكيين العرب بسبب سياسات إدارة الرئيس السابق، جورج دبليو بوش الجمهورية بعد هجمات11 سبتمبر/أيلول، وبسبب حرب العراق.
لكن ترمب توجه إلى العرب الأمريكيين في حملته الانتخابية العام الماضي، بطريقة غيرت كثيراً من الموازين لصالحه.
ورغم أن الأمريكيين العرب والمسلمين لا يشكلون سوى أقلية صغيرة في الولايات المتحدة، لكنهم يعيشون في بعض الولايات المهمة التي تتقارب فيها نسب التأييد بين الحزبين.
أبرز تلك الولايات هي ولاية ميشيغان التي تضم أكبر نسبة سكانية للعرب الأمريكيين من بين كل الولايات الأمريكية.
تقع ميشيغان في قلب منطقة الغرب الأوسط في الولايات المتحدة، وهي المنطقة التي فاز ترمب بمعظم ولاياتها عام 2016، لكنه عاد ليخسرها بعد أربعة أعوام أمام جو بايدن.
لذلك كانت ميشيغان وولايتي ويسكونسن وبنسلفانيا القريبتين منها، من أبرز الولايات التنافسية الحاسمة التي ارتكزت استراتيجية ترمب الانتخابية على الفوز بها عام 2024، وهذا ما حصل.
زرت ميشيغان أثناء الحملة الانتخابية وتابعت ما كان يجري فيها، خصوصاً في أوساط الأمريكيين العرب.
تصدرت جهود ترمب الانتخابية شخصيات مثل والد صهره مسعد بولص، الذي كان يتحدث مباشرة مع كثير من الشخصيات المؤثرة في ميشيغان.
وأتى ترمب بنفسه إلى الولاية أكثر من مرة. ومن ضمن الأماكن التي زارها كانت مدينة ديربورن التي تمثل قلب الوجود العربي في الولايات المتحدة.
أدى كل ذلك الى ارتفاع التأييد لترمب في أساط الأمريكيين العرب. وكانت هناك طبعاً أسباب موضوعية، بالإضافة إلى التواصل المباشر لترمب وحملته، إذ كان العرب غاضبين من سياسات الرئيس السابق بايدن ونائبته كامالا هاريس التي أصبحت المرشحة الرئاسية المنافسة لترمب.
ورغم تشديد ترمب دائماً على موقفه الثابت في دعم إسرائيل، إلا أن كثيراً من الأمريكيين العرب انجذبوا أيضاً إلى تعهده بإيقاف الحروب وتحديداً حرب غزة.
كانت سمراء لقمان، وهي أمريكية من أصل يمني ومن سكان ميشيغان، واحدة من الذين غيروا خياراتهم الانتخابية وذهبوا إلى انتخاب ترمب.
كانت في الأصل مؤيدة للحزب الديمقراطي، لكنها شرحت لي عندما التقيت بها الخريف الماضي عن تأثرها بدعوة ترمب لإيقاف حرب غزة، والأهم أنها سمعت ذلك منه شخصياً، إذ اتصلت بها حملته الانتخابية وأمنت لها لقاءً معه، وقبل أن تطالبه، بادرها هو بالتعهد بالعمل على إيقاف الحرب.
جاء وقف إطلاق النار فعلاً، لكن الحرب في غزة عادت. طرحت هذا الأمر على سمراء عندما التقيت بها مرة أخرى مع مرور مئة يوم على رئاسة ترمب. أكدت لي أن من انتخبوا ترمب ما زالوا متمسكين بخيارهم وليسوا نادمين على انتخابه. وأشارت إلى أن البديل الذي يمثله الحزب الديمقراطي كان ليكون أسوأ دائماً، إذ امتدت الحرب وطالت في عهد الديمقراطيين.
ذكرتني سمراء بقضية أخرى تحتل مكانة مهمة عند الأمريكيين العرب والمسلمين، وقد لعبت دوراً كبيراً في انتخابهم لترمب، وهي قضية السياسات الاجتماعية التقدمية لخصومه.
تقول سمراء إن سياسات التركيز على قضايا المجموعات ذات الهوية الجنسية المختلفة والاتهامات للحكومة ولإدارات المدارس بالتأثير على الطلاب الصغار أدت إلى حالة استياء وفزع في أوساط المحافظين اجتماعياً في الولايات المتحدة، ومعظم العرب الأمريكيين محافظون اجتماعياً بالمعايير الأمريكية.
أدى ذلك الأمر إلى صعود نسبة تأييد ترمب عند العرب من مسلمين ومسيحيين.
وقد حدثني الأب غريغوري، وهو من أصل لبناني، عن انجذاب العرب إلى الأجندة والهوية المحافظة لترمب بمواجهة تلك السياسات التقدمية اجتماعياً التي شجعها خصومه.
لكن ترمب فرض بعد صعوده إلى الرئاسة إجراءات صارمة في مجال الهجرة استهدفت بعض من عبّروا عن آراء احتجاجية ضد السياسات الإسرائيلية.
مع ذلك يرى أنصار ترمب أن تلك الإجراءات مفهومة ومبررة، إذ يقول الأب غريغوري إن معظم التغطيات الإعلامية تأتي من وسائل إعلام ليبرالية مؤيدة لخصوم ترمب، وتبالغ في الحديث عن السياسات الصارمة وحجم تأثر العرب بها. ويقول إنه يتفهم أن أي دولة تحتاج إلى حماية أمنها ويجب على المهاجرين تفهم ذلك والالتزام بالقوانين.
كان من المفارقات أن لقائي مع الأب غريغوري تم داخل مركز إسلامي شيعي في ديربورن، يشرف عليه صديقه الشيخ هاشم الحسيني.
وللحسيني قصة درامية مع ترمب، إذ أيد ترمب في الانتخابات وكان مرشحاً لأداء الصلاة مع ممثلين من أديان أخرى في حفل التنصيب.
لكن الحسيني تعرض لاتهامات بالطائفية، كما ولم يدن حزب الله اللبناني الذي تصنفه الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب.
أُبعد الحسيني عن حفل التنصيب، لكنه ما يزال متمسكاً بترمب وآرائه التي أثارت الجدل والاتهامات ضده.
قال لي هاشم الحسيني إن تلك الاتهامات تصدر عن أشخاص لهم أجندة لا تتفهم موقعه الديني، فموضوع التصنيف الإرهابي للجماعات يتغير أحياناً بتغير الأزمان والإدارات.
وذكر كذلك حجم الخطاب الذي يدين طهران في واشنطن وإلى اتهامات الولايات المتحدة لإيران بدعم الإرهاب، ومع ذلك أشار الحسيني إلى حوار إدارة ترمب مع إيران بهدف الوصول إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
مقدرة ترمب على جمع أناس من مختلف التوجهات والأساليب كانت السبب الرئيسي لفوزه في الانتخابات في ميشيغان وفي عموم الولايات المتحدة. هذا ما كان يدور في بالي عندما أنهيت لقائي مع الشيخ الحسيني، الذي بدا مستمراً في توجيه الاتهامات لإسرائيل والسعودية وغيرهما من حلفاء ترمب، لكن الحسيني يبقى مؤيداً لترمب ويعبر عن استمرار إعجابه به على المستوى الشخصي والسياسي.
لكن بعض مؤيدي ترمب من العرب وغيرهم، يعربون اليوم عن القلق من تأثير سياساته الاقتصادية ومن تأخر الوصول إلى حل للوضع في الشرق الأوسط على الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة.
حدثني عن ذلك واصل يوسف، وهو من أصل سوري، وعضو في منظمة "أمريكيون من أجل ترمب"، التي غيرت اسمها الآن إلى "أمريكيون من أجل السلام".
يقول يوسف إن التغييرات والإصلاحات التي قدمها ترمب في المجال الاقتصادي هي إجراءات قوية من زعيم قوي صاحب إرادة، لكنها قد تسبب بعض الآلام، وهناك من بين أنصار ترمب من لا يؤيدها.
وعبر لي يوسف عن قلقه من احتمال خسارة حزب ترمب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس التي ستجري العام المقبل.
مع ذلك يستمر يوسف وهو يعمل في شركة ستلانتس الكبرى لصناعة السيارات بتأييد ترمب والعمل على حشد الدعم له ولسياساته.
ميشيغان هي بالتأكيد عاصمة صناعة السيارات في الولايات المتحدة، والعاملون في ذلك القطاع يمثلون أيضاً شريحة مهمة عند ترمب. استطاع ترمب أن يخترق التأييد التقليدي الذي يحظى به الحزب الديمقراطي في أوساط نقابات العمال ليحشد تأييد جزء مهم من أعضاء تلك النقابات، وكان ذلك أمراً حاسماً في فوزه.
التقيت أيضاً بالمديرة التنفيذية لغرفة التجارة الأمريكية للشرق أوسطيين، فَيْ نمر، وهي من أصل لبناني.
حدثتني عن ثقتها بأن العرب الأمريكيين سيحاسبون حزب ترمب الجمهوري إذا لم يفِ الرئيس بوعوده، وأن ذلك سيحصل في جولات انتخابية قادمة للكونغرس وغيره من المجالس والمناصب على مستوى الولايات أو على المستوى الوطني الاتحادي.
لكنها عبرت عن اعتقادها بأن ترمب هو الرئيس القادر على إيجاد حل للقضية الفلسطينية وعلى إيقاف الحروب في الشرق الأوسط والعالم.
كان واضحاً من خلال أحاديثي مع معظم الأمريكيين العرب الذين أيدوا ترمب أن هناك علاقة ثقة وحب قد نُسجت بينهم وبين ترمب، رغم أنهم لا يتفقون أحياناً مع بعض أساليبه أو حتى سياساته.
لكن أسلوبه الشخصي المباشر، والأهم من ذلك إحساسهم بأن الاتصال مفتوح ودائم مع فريقه والمقربين منه، وبأن الحوار دائم وعن طريقه يمكن التأثير على ترمب. كل ذلك يؤدي إلى استمرارهم بالاقتناع بأن بإمكانهم التأثير وتغيير السياسات التي لا يتفقون معها، وبأنهم يتعاملون مع رئيس مختلف في علاقته معهم وقربه منهم.




