في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور الصناعي والتكنولوجي، ونشهد فيه بناء المدن الصناعية وتوسيع نطاق الإنتاج المادي، يحق لنا أن نتساءل: لماذا لا نفكر أيضًا في بناء مدينة ثقافية متكاملة، تُعنى بالإنسان من الداخل، وتغذي عقله وروحه بالمعرفة والجمال، تمامًا كما تغذي المدن الصناعية حاجاته المادية؟ أليس الوعي أسمى من الأشياء؟ أليس الفكر هو الذي يقود التطور قبل أن تبنيه الآلات؟
الفكرة قد تبدو خيالًا علميًا، لكنها واقعية أكثر مما نظن. فكثير من المشاريع العظيمة في التاريخ بدأت كأحلام جامحة، وسرعان ما تحوّلت إلى إنجازات ملموسة غيرت وجه العالم. والمدينة الثقافية ليست حلمًا بعيدًا، بل ضرورة ملحة، ومساحة حضارية يمكن أن تحتضن مختلف عناصر الوعي الإنساني، وتكون بمثابة القلب النابض للإبداع والهوية.
تخيل مدينةً تنبض بالحياة الفكرية، تتوزع في جنباتها المكتبات العامة التي تحتضن الباحثين والقرّاء، وتوفر لهم مصادر معرفية لا تنضب. متاحفٌ تحتفظ بروح التاريخ، تعرض الكنوز الفنية والتراثية التي تروي قصة الإنسان على هذه الأرض. ومراكز ثقافية وفنية تُقام فيها ورش العمل والعروض المسرحية والمحاضرات، وتشكل مختبرات حيّة لتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات.
وتخيل أيضًا أن هذه المدينة لا تقتصر على الحاضر، بل تنظر إلى المستقبل، فتضم جامعات ومعاهد تُعنى بدراسة الفنون والثقافة، وتقدّم برامج عليا وبحثية ترسّخ مفاهيم الإبداع. كما تحتضن مدارس للفنون تُدرّس الموسيقى، والرسم، والدراما، لتصقل المواهب منذ الصغر، وتُخرج أجيالاً تمتلك الحس الجمالي والقدرة على التعبير.
وفي جانبها الترفيهي، تحتوي المدينة على سينمات ومسارح تُعرض فيها الأفلام الهادفة والعروض المسرحية الراقية، ومساحات عامة كالمتنزهات والساحات، تُنظّم فيها المهرجانات والفعاليات المفتوحة التي تُشرك الجمهور في صلب الفعل الثقافي، وتُحول الثقافة إلى تجربة يومية حيّة.
ولا تكتمل الصورة من دون بناء دار الأزياء ودار الاوبرا و مرافق سكنية متكاملة، من شقق مريحة لإقامة الفنانين والضيوف، إلى فنادق ترحب بالسياح والزوار القادمين من كل أنحاء العالم، ليستمتعوا بتجربة ثقافية لا تُنسى. كما تضم المدينة محالّ تجارية لعرض وبيع الأعمال الفنية والحرف اليدوية، ومطاعم ومقاهٍ تضج بالنقاشات الفكرية واللقاءات الاجتماعية، فتكون الثقافة فيها حاضرة في كل تفصيل، نابضة في كل زاوية.
أما فعاليات المدينة فهي القلب النابض لها. مهرجانات سنوية تحتفي بالفنون بجميع أشكالها، من الموسيقى إلى النحت، ومن الأدب إلى السينما. معارض وورش عمل تتيح للمبدعين عرض إنتاجهم والتفاعل مع الجمهور. دورات تدريبية ومحاضرات متخصصة تُقيم جسور التواصل بين الأجيال، وتؤسس لتراكم معرفي وثقافي شامل. كما تُخصص فعاليات مجتمعية تُشرك الناس جميعًا، صغارًا وكبارًا، في حفلات موسيقية، وفعاليات ترفيهية وتفاعلية، تُقوّي الشعور بالانتماء، وتُشعر كل فرد أنه جزء من هذا البناء الثقافي الراقي.
ولأن هذه المدينة تحتاج إلى الاستدامة، فإن تمويلها يجب أن يُبنى على شراكات مع مؤسسات ثقافية كبرى، ورعاية من القطاع الخاص، إلى جانب حملات تبرع وفعاليات تمويل جماعي. إدارة هذه المدينة لا بد أن تكون على قدر الرؤية، بهيئة ثقافية متخصصة تُشرف على التوجهات، وتطور استراتيجيات التسويق والترويج، وتضع مؤشرات دقيقة لقياس الأداء والتطور.
وفي ضوء تفكير الدولة الجاد في إنشاء مدينة جديدة، تفتح أفقًا جديدًا للنمو الحضري والتنموي، تبرز هنا ضرورة أن يؤخذ في الحسبان تخصيص مساحة من الأرض لهذا المشروع الثقافي الحيوي، ليكون جزءًا من الرؤية الشاملة للمدينة الجديدة، لا على هامشها. فإن إدماج الثقافة في نسيج المدن منذ لحظة التخطيط الأولى ليس ترفًا، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء الإنسان، وخلق مجتمع متوازن، نابض بالحياة.
هذه المدينة ليست حلمًا مؤجلًا، بل هي مشروع قابل للتحقق، شريطة أن يُفكر فيه بجدية، ويُخطط له بعناية، ويُمنح المكان الذي يستحقه في استراتيجياتنا الوطنية. فبناء مدينة ثقافية ناجحة لا يقتصر على إنشاء المباني والمنشآت، بل يبدأ من الوعي بأن الثقافة ليست هامشًا، بل هي ركيزة أساسية في التنمية الشاملة، وبأن الإنسان لا يكتمل إلا حين يُصقل عقله ووجدانه.
فلنبدأ الآن. فلنخطُ الخطوة الأولى نحو هذا الأفق الجديد. مدينة ثقافية متكاملة، تكون للأردن نافذة مشرقة على العالم، ومرآة تعكس تاريخه العريق، وروحه المبدعة، وطاقاته الإنسانية اللامحدودة. دعوة صادقة لأصحاب القرار، ولعشاق الثقافة، ولكل من يؤمن أن البناء الحقيقي يبدأ من الإنسان..
الفكرة قد تبدو خيالًا علميًا، لكنها واقعية أكثر مما نظن. فكثير من المشاريع العظيمة في التاريخ بدأت كأحلام جامحة، وسرعان ما تحوّلت إلى إنجازات ملموسة غيرت وجه العالم. والمدينة الثقافية ليست حلمًا بعيدًا، بل ضرورة ملحة، ومساحة حضارية يمكن أن تحتضن مختلف عناصر الوعي الإنساني، وتكون بمثابة القلب النابض للإبداع والهوية.
تخيل مدينةً تنبض بالحياة الفكرية، تتوزع في جنباتها المكتبات العامة التي تحتضن الباحثين والقرّاء، وتوفر لهم مصادر معرفية لا تنضب. متاحفٌ تحتفظ بروح التاريخ، تعرض الكنوز الفنية والتراثية التي تروي قصة الإنسان على هذه الأرض. ومراكز ثقافية وفنية تُقام فيها ورش العمل والعروض المسرحية والمحاضرات، وتشكل مختبرات حيّة لتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات.
وتخيل أيضًا أن هذه المدينة لا تقتصر على الحاضر، بل تنظر إلى المستقبل، فتضم جامعات ومعاهد تُعنى بدراسة الفنون والثقافة، وتقدّم برامج عليا وبحثية ترسّخ مفاهيم الإبداع. كما تحتضن مدارس للفنون تُدرّس الموسيقى، والرسم، والدراما، لتصقل المواهب منذ الصغر، وتُخرج أجيالاً تمتلك الحس الجمالي والقدرة على التعبير.
وفي جانبها الترفيهي، تحتوي المدينة على سينمات ومسارح تُعرض فيها الأفلام الهادفة والعروض المسرحية الراقية، ومساحات عامة كالمتنزهات والساحات، تُنظّم فيها المهرجانات والفعاليات المفتوحة التي تُشرك الجمهور في صلب الفعل الثقافي، وتُحول الثقافة إلى تجربة يومية حيّة.
ولا تكتمل الصورة من دون بناء دار الأزياء ودار الاوبرا و مرافق سكنية متكاملة، من شقق مريحة لإقامة الفنانين والضيوف، إلى فنادق ترحب بالسياح والزوار القادمين من كل أنحاء العالم، ليستمتعوا بتجربة ثقافية لا تُنسى. كما تضم المدينة محالّ تجارية لعرض وبيع الأعمال الفنية والحرف اليدوية، ومطاعم ومقاهٍ تضج بالنقاشات الفكرية واللقاءات الاجتماعية، فتكون الثقافة فيها حاضرة في كل تفصيل، نابضة في كل زاوية.
أما فعاليات المدينة فهي القلب النابض لها. مهرجانات سنوية تحتفي بالفنون بجميع أشكالها، من الموسيقى إلى النحت، ومن الأدب إلى السينما. معارض وورش عمل تتيح للمبدعين عرض إنتاجهم والتفاعل مع الجمهور. دورات تدريبية ومحاضرات متخصصة تُقيم جسور التواصل بين الأجيال، وتؤسس لتراكم معرفي وثقافي شامل. كما تُخصص فعاليات مجتمعية تُشرك الناس جميعًا، صغارًا وكبارًا، في حفلات موسيقية، وفعاليات ترفيهية وتفاعلية، تُقوّي الشعور بالانتماء، وتُشعر كل فرد أنه جزء من هذا البناء الثقافي الراقي.
ولأن هذه المدينة تحتاج إلى الاستدامة، فإن تمويلها يجب أن يُبنى على شراكات مع مؤسسات ثقافية كبرى، ورعاية من القطاع الخاص، إلى جانب حملات تبرع وفعاليات تمويل جماعي. إدارة هذه المدينة لا بد أن تكون على قدر الرؤية، بهيئة ثقافية متخصصة تُشرف على التوجهات، وتطور استراتيجيات التسويق والترويج، وتضع مؤشرات دقيقة لقياس الأداء والتطور.
وفي ضوء تفكير الدولة الجاد في إنشاء مدينة جديدة، تفتح أفقًا جديدًا للنمو الحضري والتنموي، تبرز هنا ضرورة أن يؤخذ في الحسبان تخصيص مساحة من الأرض لهذا المشروع الثقافي الحيوي، ليكون جزءًا من الرؤية الشاملة للمدينة الجديدة، لا على هامشها. فإن إدماج الثقافة في نسيج المدن منذ لحظة التخطيط الأولى ليس ترفًا، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء الإنسان، وخلق مجتمع متوازن، نابض بالحياة.
هذه المدينة ليست حلمًا مؤجلًا، بل هي مشروع قابل للتحقق، شريطة أن يُفكر فيه بجدية، ويُخطط له بعناية، ويُمنح المكان الذي يستحقه في استراتيجياتنا الوطنية. فبناء مدينة ثقافية ناجحة لا يقتصر على إنشاء المباني والمنشآت، بل يبدأ من الوعي بأن الثقافة ليست هامشًا، بل هي ركيزة أساسية في التنمية الشاملة، وبأن الإنسان لا يكتمل إلا حين يُصقل عقله ووجدانه.
فلنبدأ الآن. فلنخطُ الخطوة الأولى نحو هذا الأفق الجديد. مدينة ثقافية متكاملة، تكون للأردن نافذة مشرقة على العالم، ومرآة تعكس تاريخه العريق، وروحه المبدعة، وطاقاته الإنسانية اللامحدودة. دعوة صادقة لأصحاب القرار، ولعشاق الثقافة، ولكل من يؤمن أن البناء الحقيقي يبدأ من الإنسان..




