*
السبت: 20 ديسمبر 2025
  • 25 نيسان 2025
  • 13:59
نظرة تحليلية فنية أولية حول مشروع قانون الأبنية والأراضي2025
الكاتب: الدكتور غسان عذاربة

هل نملك فعلاً أدوات التقدير الذكي؟
تحليل واقعي لتصريحات أمين عمّان حول تحييد العنصر البشري حسب ماور على الفضاء السايبري على المواقع الاخبارية .
العنصر البشري والتقدير العقاري: بين طموح الأتمتة وواقع البيانات
في تصريحه، أكد أمين عمّان، أن مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي الجديد لا يضيف أعباءً ضريبية جديدة على المواطنين، بل يستهدف تنظيم وتوضيح آلية التقدير عبر معادلات واضحة، مع تحييد العنصر البشري من عملية التقدير، في خطوة تهدف – بحسب ما جاء – إلى تعزيز الشفافية والعدالة.
من حيث المبدأ، فإن تقليص تدخل العنصر البشري في تقدير الضرائب العقارية يعد خطوة مهمة نحو العدالة الرقمية، ومطلبًا طالما نادى به المختصون للحد من الاجتهادات الفردية التي قد تفتح بابًا للظلم أو التفاوت. غير أن هذا الطموح المشروع يصطدم بواقع لا يمكن تجاهله، وهو واقع البنية التحتية الرقمية، ومستوى الجاهزية الفنية، ومدى تكامل البيانات وتشاركها بين الجهات المعنية.
فالحديث عن أنظمة تقدير مؤتمتة بالكامل، أو عن إحلال الذكاء الاصطناعي محل المقدراو المخمن العقاري، يتطلب أولاً توافر قواعد بيانات دقيقة ومحدثة وموحدة تشمل مواصفات كل عقار، وموقعه، وتصنيفه، ووضعه القانوني، ونمط إشغاله، ومستوى خدماته، وأسعار السوق الفعلية. كما يتطلب ذلك وجود منصة رقمية متقدمة تتعامل مع هذه المعطيات وتصدر تقديرًا قابلاً للتفسير والمساءلة.
أما ما نراه على الأرض، فيشير إلى فجوة كبيرة بين الطموح والتطبيق. فما زالت المعلومات العقارية محكومة بسياج السرية، وغالبًا ما تكون غير مكتملة أو غير محدثة، ولا توجد منظومة موحدة يمكن من خلالها الوصول إلى بيانات دقيقة وشاملة عن القطاع العقاري. كما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي يجري الحديث عنها، لم تُظهر إلى الآن حضورًا فعليًا يوازي ما يُصرَّح به، بل إننا لا نزال في مراحل بدائية في هذا المسار، نحبو نحو الذكاء الاصطناعي أكثر مما نمارسه فعليًا.
وفي الوقت الذي سبقتنا فيه دول الجوار إلى أنظمة تقدير عقاري متكاملة رقمياً، تعتمد على نماذج حسابية وتعلم آلي مدعوم ببيانات مفتوحة وتحليلات سوقية، ما زلنا نسبق الذكاء بالأقوال لا بالأفعال، ونعلّق على أنظمة لم تُعلن بعد معاييرها التشغيلية أو تفاصيلها التقنية.
هذا لا ينفي أهمية التوجه، ولا يقلل من الجهود المبذولة، لكنه يدعو إلى التريث والتدرج، وعدم تقديم الأهداف النهائية وكأنها تحققت واقعاً. فمتى ما أردنا فعلاً تحييد العنصر البشري من عملية التقدير، فعلينا أولاً إتاحة المعلومات، وتوحيد المرجعيات، وضمان حق المواطن في الاطلاع والمراجعة والاعتراض، وصولاً إلى نظام ضريبي رقمي شفاف، متكامل، وعادل.
إن الرقمنة لا تعني فقط إحلال الخوارزميات محل البشر، بل تعني تأسيس بيئة رقمية قائمة على الثقة والمساءلة، تضمن العدالة ولا تلغيها تحت عنوان "التحييد".
الجزء الثاني:

لجان التخمين والمعززات خارج النص
في قراءة معمّقة في آلية التقدير الضريبي الجديدة: ما بين الوعود التقنية والواقع الإجرائي وبالرغم ما ورد في تصريحات أمين عمّان عن "تحييد العنصر البشري" في تقدير ضريبة الأبنية والأراضي، فإن القراءة الدقيقة لتفاصيل مشروع القانون الجديد، تكشف عن مشهد أكثر تعقيدًا من التصورات الوردية المبسّطة التي طُرحت في الخطاب الرسمي.
فالواقع كما جاء على لسان الامين نفسه، ما يزال يُسند مهمة التقدير إلى لجان التخمين الميدانية، وهي جهات بشرية تقوم بزيارة المواقع، وتقييم طبيعة الاستخدام، والاعتماد على وثائق داعمة (معززات) مثل عقود الإيجار، لتحديد القيمة الضريبية. وهذا بحد ذاته يُعيد التقدير إلى المربّع الأول: الاجتهاد الشخصي والاختلاف بين لجنة وأخرى، بعيدًا عن المفهوم المتكامل "للأتمتة والحيادية".
وما يُلفت النظر كذلك، هو أن هذه المعززات التي تُطلب من المواطنين ليست منصوصًا عليها صراحةً في نص القانون، مما يطرح إشكالية قانونية في المشروعية، ويجعل من العملية عرضة للطعن أو التفاوت في التطبيق. إذ لا يمكن أن يُبنى التكليف الضريبي على وثائق لم يشر إليها المشرّع صراحة، حتى وإن كانت منطقية من الناحية العملية، إلا إذا تم تنظيم ذلك بموجب تعليمات رسمية.
أما عن "الحوافز والإعفاءات" التي بشّر بها القانون الجديد، فهي دون شك خطوة يُنتظر منها تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها تبقى غامضة وغير مفعّلة بشكل معلن، ما دام لم تُحدد معاييرها ولا آلية الاستفادة منها بوضوح، الأمر الذي قد يفتح باب التأويل أو الاستثناء غير العادل.
في ضوء ذلك، يبقى السؤال مشروعًا:
هل نحن بصدد تحديث حقيقي لنظام التقدير الضريبي، أم أننا نُعيد تجميل النظام القائم بإكسسوارات تكنولوجية وشعارات أتمتة؟
حتى اللحظة، يبدو أن ما طُرح لا يخرج عن كونه تحسينًا شكليًا أكثر من كونه نقلة نوعية في جوهر آلية التقدير. كما أن أي تحول حقيقي يتطلب بنية تحتية رقمية متكاملة، وقواعد بيانات موحدة، وسلوكًا مؤسسيًا شفافًا، وهو ما لا يتأتى بقرارات إعلامية فقط، بل بمنظومة تشريعية وتقنية واقعية تُترجم على الأرض.
في النهاية، يظل المواطن في انتظار أن يرى أثر "الأتمتة" لا على لسان المسؤول، بل في معاملة ضريبية أكثر عدالة ووضوحًا، حيث لا فضل لتقدير على تقدير إلا بالشفافية والإنصاف.
ولنا لقاء بعون الله 
 

مواضيع قد تعجبك