في حضرة الوطن، تتكلم الأرض بلغتها الخاصة، وتُصغي الجبال لصدى الحروف حين تكون مكتوبة بالحكمة والكرامة والانتماء..
فالوطن ليس ترابًا وحسب، بل هوية وكرامة، وانتماء يتجذر في الوجدان كما تتجذر الجذور في الأرض.
ولأن الأردن كان وسيبقى واحة استقرار في محيط مضطرب، فإن صونه لا يكون إلا بالحفاظ على أمنه الداخلي، وتحصين قراره السيادي من كل ما قد يهدده أو ينال من تماسكه.
ومن هنا، يجيء قرار وزير الداخلية بحظر جماعة سياسية، ليس ردّ فعل آنيًا، بل تأكيدٌ على أن الدولة الأردنية لا تساوم على أمنها الوطني، ولا تقبل بشركاء يضعون انتماءاتهم فوق تراب الوطن.
فلقد أظهر هذا القرار بما لا يدع مجالًا للشك، أن السيادة لا تُستجدى، بل تُصان، وأن القانون لا يُفرَض ترفًا، بل يُمارَس حين تستدعي الضرورة، حفاظًا على السلم المجتمعي ووحدة الصف الداخلي.
ففي كل لحظة تتخذ فيها الدولة الأردنية قرارًا تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فإنها بذلك ترسّخ في وجدان شعبها معنى الانتماء الحقيقي، وتؤكد أن لا ولاء يعلو على الولاء للأردن، ولا راية تُرفَع أعلى من راية الوطن.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين، حاولت على مر العقود التغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية تحت شعارات متعددة، فإن الثوابت الوطنية بقيت أقوى من محاولات التسييس والتفكيك. وقد ثبت اليوم أن الانتماء الحقيقي ليس في رفع شعارات، بل في العمل من أجل الوطن، والوقوف إلى جانب الدولة حين يكون الوطن على مفترق طرق.
ولأن الأمن لا يُقاس فقط بعدد الجيوش ولا بعدد الأبواب الموصدة، بل يُقاس بالثقة بين المواطن ودولته، فإن هذا القرار يعيد ترسيخ هذه الثقة، ويعيد رسم حدود الانتماء الوطني بمنطق واضح،،،، ((من أراد أن يكون من نسيج هذا الوطن، فليكن وافيًا له، ملتزمًا بقوانينه، صادقًا في ولائه)). أما من اختار طريق التفرقة، أو تعارضت نواياه مع بوصلة المصلحة الوطنية، فإن القانون وحده هو الفيصل، والحزم وحده هو الجواب.
فالوطنية ليست شعارًا يُردد، بل موقف يُتخذ حين تُختبر الأوطان.
والأردن، بهذا القرار، يقدم موقفًا وطنيًا راسخًا يثبت أنه دولة مؤسسات، لا تخضع لضغط ولا تتأثر بضجيج، بل تمضي في طريقها بثقة، لأن الهدف هو حماية الدولة من الداخل، لا من خصم خارجي فقط، بل من أي خلل قد يتسلل إلى أركانها من حيث لا يُحتَسب.
إن ما يمر به الإقليم من اضطرابات، وما تشهده الساحة الدولية من صراعات فكرية وسياسية، يجعل من تحصين الجبهة الداخلية واجبًا وطنيًا لا يقبل التأجيل.
ومن هنا، فإن القرار الأخير ليس إلا صورة من صور السيادة التي تمارسها الدولة الأردنية، دفاعًا عن أمنها، واستباقًا لأي تصدّع قد تجرّه أطراف لا ترى في الأردن إلا ساحة لمعاركها الأيديولوجية.
وفي خضم هذا السياق، يجب أن نقرأ الحدث من زاويته الأهم: الحفاظ على وحدة الصف، واستمرارية الأمن، وصون الدولة من أي انقسام فكري أو سياسي قد يؤدي إلى اهتزاز الاستقرار الذي طالما شكّل خصوصية أردنية فريدة في المنطقة.
إن رسالة الدولة واضحة: أن الأردنيين جميعًا تحت سقف الوطن، بلا استثناء، ما دام الولاء للأردن، لا لغيره، هو المعيار، وأن التعدد في الرأي لا يجوز أن يتحول إلى تنازع في الولاء، أو تعدد في المرجعيات.
فلقد رسم القرار ملامح مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: ((لا انتماء يعلو على الانتماء للأردن)).
ومن هنا، فإن كل من يقف في صف الدولة، ويعمل لأجل استقرارها، هو شريك في البناء، وحارس للسيادة، وسندٌ للأمن.
أما أولئك الذين اختاروا الاصطفاف خارج الصف الوطني، فإنهم هم من وضعوا أنفسهم في موقع الرفض من قبل الوطن، لا العكس.
فالأردن لا يقبل أن يكون ساحةً لصراع الأيديولوجيات، أو مسرحًا لتصفية الحسابات الفكرية والسياسية التي لا تتماشى مع ثوابته الوطنية. فكل فكر يتعارض مع القيم الراسخة للمجتمع الأردني، وكل توجه يسعى للتمرد على الوحدة الوطنية، لا مكان له في هذا الوطن الذي ظل دائمًا رمزًا للتسامح والاعتدال.
وبالتالي فإن المرحلة القادمة تتطلب منا جميعًا – حكومة وشعبًا – تعزيز قيم الوحدة والوعي والانتماء، والوقوف صفًا واحدًا خلف مؤسساتنا الوطنية، في مواجهة أي فكر أو تيار قد يسعى لشق الصف أو إضعاف الإرادة.
وأخيرًا، وفي هذه اللحظة الحاسمة، تتأكد عزيمة الشعب الأردني في حماية هذا الوطن والحفاظ عليه، وكل من يسعى لبناء وطن أفضل سيظل دائمًا محطّ التقدير والاحترام، أما من يسعى للنيل من استقراره، فسيبقى مجرد طرفًا لا يتجاوز حدود هامش التاريخ.
فالأردن، كما كان، سيبقى الأول في قلوب أبنائه، وفي قمة أولوياتهم، والعمل لأجل هذا الوطن هو فرض وطني لا يمكن التهاون فيه.
فالقرار الذي اتُخذ اليوم ليس إلا تجسيدًا حيًا لعبارة واحدة: ((الأردن أولًا، والأردن دائمًا))




