لا شك أن الجميع يدرك الثمن الذي دفعه الوطن والمواطن نتيجة التخبط في بعض القرارات الحكومية، مما أدى إلى آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية ما زال الجميع يتحمل تبعاتها حتى الآن. ومن الموكد ان الجميع بلاحظ حجم الارباك في عملية اتخاذ وصنع القرارات في الاردن ، فكثيرة هي القرارات التي تم اتخاذها ثم تعديلها أو إلغاؤها بعد فترة قصيرة من صدورها، والأمثلة على ذلك عديدة ومتنوعة، وأحدثها نظام الموارد البشرية الجديد الذي تم تعديله أكثر من ثلاث مرات خلال أقل من عام، وقرار رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية، الذي تم تعديله بعد أسابيع قليلة من إقراره.
وفي ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، أصبحت عملية اتخاذ القرار الحكومي أكثر تعقيدًا، مما يستدعي وجود أدوات وآليات تدعم صُنّاع القرار بالمعلومات الدقيقة والتحليلات العميقة، وتساهم في وقف التخبط ومعالجة الخلل في منظومة الأداء الحكومي. ومن هنا تبرز أهمية إنشاء مركز دعم اتخاذ القرار على المستوى الوطني كأحد الحلول الاستراتيجية لتعزيز جودة وكفاءة القرارات الحكومية، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
وحتى يحقق المركز الأهداف المرجوة، لا بد أن يتم ربطه إداريًا برئيس الوزراء أو الديوان الملكي، حتى يتمكن من الوصول إلى جميع البيانات والمعلومات من كافة المؤسسات الحكومية والاطلاع على التقارير الاقتصادية، والمؤشرات الاجتماعية، والاستطلاعات الميدانية المنفذة، مما يمنح المسؤولين القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة تلبي احتياجات المواطنين بفعالية، بعيدًا عن الآراء الشخصية والتوجهات المزاجية التي تهدر المال العام وتؤدي في أغلب الأحيان إلى آثار اقتصادية واجتماعية يصعب تداركها.
ومن المهام التي ينبغي أن يعمل المركز على تعزيزها التنسيق بين الجهات الحكومية، إذ تعاني الإدارة الأردنية غالبًا من تعدد المرجعيات، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اتخاذ قرارات متباينة أو متعارضة. فعلى سبيل المثال، قد يتم إقرار نظام أبنية جديد يؤثر إيجابيًا على قطاع المشاريع الإسكانية، لكنه قد يؤثر سلبًا على قطاع الاستثمار أو القطاع الصناعي. وهنا يأتي دور مركز دعم اتخاذ القرار في تنسيق العمل بين مختلف المؤسسات الحكومية عبر توفير منصة مركزية لمشاركة البيانات، وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة، وضمان مشاركة جميع أصحاب العلاقة في القرار، بما يضمن صدور قرارات حكومية مدروسة تراعي مصالح جميع المعنيين.
وأخيرًا، ومع تزايد الاعتماد على التقنيات الرقمية، فإن إنشاء هذا المركز سيساعد في تسريع عملية التحول الرقمي للحكومة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وتقنيات البيانات الضخمة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر سرعة ودقة، وتحقيق كفاءة أكبر في تخصيص الموارد وتقديم الخدمات وفقًا للاحتياجات الحقيقية للمحافظات والأولويات، وليس بناءً على الضغوط النيابية والسياسية في توزيع خطط التنمية والمقدرات الوطنية.
إن إنشاء مركز دعم اتخاذ القرار على المستوى الوطني ليس رفاهية، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان اتخاذ قرارات حكومية فعالة ومدروسة. فالدول الناجحة تعتمد على المعلومات والتحليل العميق في توجيه سياساتها، مما يساعدها على تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن والاستقرار، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين. وبالتالي، فإن الاستثمار في مثل هذا المركز يعد استثمارًا في مستقبل الأردن وقدرته على مواجهة التحديات وتحقيق التطلعات.




