*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 21 فبراير 2025
  • 22:15
الأردن في عصر البلوك تشين كيف يمكننا الاستفادة من التكنولوجيا المالية
الكاتب: الدكتورة لبنى حنا عماري


في ظل التطور السريع للتكنولوجيا الرقمية، أصبحت تقنية البلوك تشين إحدى الأدوات الرائدة في تعزيز الشفافية والأمان في المعاملات المالية والاقتصادية. وتعتبر هذه التقنية إحدى الابتكارات التي يمكن أن تغير جذريًا طريقة تنفيذ المعاملات الرقمية، مما يجعلها ذات أهمية خاصة في تطوير الأنظمة المالية وتعزيز الكفاءة في مختلف القطاعات في الأردن. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالبلوك تشين، فإن الفرصة سانحة للأردن للاستفادة من هذه التقنية في تطوير قطاع التكنولوجيا المالية وتحقيق تحول رقمي شامل.

تتميز تقنية البلوك تشين بكونها سجلاً رقميًا غير قابل للتعديل، حيث يتم تخزين البيانات بطريقة لا مركزية مما يضمن الأمان ويمنع التلاعب. هذه الخصائص تجعلها مثالية للقطاع المالي، إذ يمكن استخدامها لتسريع عمليات التحويلات المالية وتقليل تكاليفها، مما يوفر بديلاً فعالًا للأنظمة التقليدية في المعاملات البنكية. كما يمكن أن تساعد في تعزيز الشمول المالي من خلال توفير حلول دفع رقمية آمنة وموثوقة للأفراد غير المشمولين في النظام المصرفي التقليدي، وهو ما يتماشى مع جهود البنك المركزي الأردني في تعزيز التحول الرقمي وزيادة استخدام التكنولوجيا في القطاع المالي.

في قطاع البنوك مثلا، يمكن استخدام تقنية البلوك تشين في تحسين إجراءات الامتثال للأنظمة المالية وتقليل مخاطر الاحتيال من خلال توفير نظام أكثر شفافية لتسجيل المعاملات. ويمكن للبنوك الأردنية أن تستفيد من هذه التقنية في تحسين آليات الإقراض وتقديم خدمات مالية أكثر كفاءة وأمانًا. كما يمكن أن تسهم في تطوير العقود الذكية التي تتيح تنفيذ الاتفاقيات المالية بشكل تلقائي دون الحاجة إلى وسيط، مما يقلل من تكاليف المعاملات ويسرع تنفيذها، وهو ما يمثل نقلة نوعية في التعاملات المصرفية والتجارية.

أما في مجال الحكومة الإلكترونية، فإن اعتماد البلوك تشين يمكن أن يسهم في تطوير أنظمة رقمية أكثر أمانًا وفعالية من خلال تسجيل البيانات الحكومية بطريقة تمنع التلاعب وتتيح الوصول إليها بشفافية وأمان. يمكن استخدام هذه التقنية في تسجيل العقود الرسمية والمعاملات العقارية، مما يقلل من حالات التزوير ويضمن مصداقية البيانات. كما يمكن أن تساعد في تعزيز نظم التصويت الإلكتروني، مما يزيد من موثوقية العمليات الانتخابية ويسهم في تطوير الخدمات الحكومية الرقمية، الأمر الذي يعزز من ثقة المواطنين في العمليات الإدارية ويقلل من البيروقراطية.

وتضيف عماري أن القطاع الصحي يمكن أن يكون أيضًا أحد المستفيدين الرئيسيين من تقنية البلوك تشين، حيث يمكن استخدامها في إنشاء سجلات طبية رقمية آمنة للمرضى تتيح تبادل المعلومات بين المستشفيات والمراكز الطبية بطريقة تضمن الخصوصية وتحسن جودة الرعاية الصحية. كما يمكن أن تساعد في إدارة سلاسل التوريد حيث تستخدمه الشركات لضمان تتبع المنتجات والتحقق من أصالة البضائع، مثل تتبع سلاسل التوريد للأدوية والمستلزمات الطبية، مما يضمن توفير المنتجات الصحية بجودة عالية ويقلل من مخاطر الأدوية المزيفة، وهو ما ينعكس إيجابًا على القطاع الصحي في الأردن.

وفي قطاع التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، يمكن للبلوك تشين أن تلعب دورًا محوريًا في تأمين المدفوعات الرقمية وتوفير حلول مالية مبتكرة. يمكن أن تستفيد الشركات الناشئة الأردنية من هذه التقنية في تطوير منصات دفع إلكترونية تعتمد على العملات الرقمية أو حلول التحويلات المالية التي تقلل من الاعتماد على الأنظمة المصرفية التقليدية. كما يمكن أن تسهم في تعزيز ثقة المستهلكين وحماية البيانات الشخصية في التعاملات التجارية عبر الإنترنت، وهو ما يدعم نمو التجارة الرقمية ويعزز من الاقتصاد الرقمي في المملكة.

ولضمان تحقيق الاستفادة القصوى من تقنية البلوك تشين في الأردن، من الضروري تطوير بيئة تنظيمية داعمة تضمن الامتثال للقوانين الدولية وتوفر إطارًا واضحًا لاستخدام هذه التقنية.  لا بد أن تعمل الجهات الحكومية بالتعاون مع القطاع الخاص على وضع سياسات تحفز الابتكار وتشجع الشركات الناشئة والمستثمرين على تبني الحلول القائمة على البلوك تشين. كما يجب الاستثمار في تطوير المهارات والكفاءات الوطنية من خلال توفير برامج تدريبية وتعليمية تسهم في بناء جيل قادر على الاستفادة من هذه التقنية وتطوير تطبيقاتها في مختلف المجالات.

يمثل عصر البلوك تشين فرصة كبيرة للأردن لتعزيز موقعه كمركز إقليمي للتكنولوجيا المالية والاستفادة من الحلول الرقمية المتقدمة في تطوير قطاعاته المختلفة. إن الاستفادة من هذه التقنية تتطلب رؤية استراتيجية واضحة وتعاونًا بين مختلف القطاعات لضمان تحقيق تحول رقمي مستدام يعزز من مكانة الأردن في الاقتصاد الرقمي العالمي ويسهم في دفع عجلة الابتكار والنمو الاقتصادي. ومع استمرار تطور هذه التقنية، فإن تبنيها بشكل مدروس يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقلالية الرقمية للمملكة، مما يفتح آفاقًا جديدة للاقتصاد الأردني ويعزز من تنافسيته على المستوى الدولي.

 

 

مواضيع قد تعجبك