عندما مر الربيع العربي بدولنا العربية
المختلفة ، خرجت شعوبها وهي تحمل شعارات كثيرة ومطالبة : بالديمقراطية والحرية وبالإصلاح
ومحاربة الفساد الفاسدين ...
وكانت نظرة الأنطمة العربية لهذه الثورات
الشعبية بعيون من الشك والريبة والاستهجان ، والتي وصلت أحيانا” كثيرة” للاتهام بالعمالة
والتخوين ... وتنوعت طريقة ووسائل تعامل الانظمة العربية مع المطالبات الشعبية وكانت
كما يلي :
ـ بعض من هذه الأنظمة العربية سارعت لاحتواء
الثورات بإجراءآت شكلية ووعود مستقبلية ضبابية ، وبالقيام ببعض الحقن التخديرية الآنية
للشعوب ، بهدف إلهاء الناس وتحييد المطالبين بالاصلاحات لبعض الوقت . ولكن المطالبات
لم تتحقق وبقيت كالقنابل الموقوتة ، وقد تتفجير في وجه تلك الأنظمة في أي وقت .
ـ بعض من الأنظمة العربية قامت بتهريب أو
تغييب رأس النظام وتلويذه عن عيون الثائرين ولو بوضعه في الزنزانة الفندقية لفترة معينة
؛ فإذا خفت نقمة الجماهير وهدأت العاصفة الشعبية ؛ شنت بقابا ومخلفات الأنظمة هجوما”
معاكسا” وسريعا” للإنقلاب أو للالتفاف على خيارات الثوار بعد تشويههم في عيون عامة
الشعب ووصمهم بالإرهاب ، واستخدمت لهذه الغاية القوة العسكرية والقبضة الأمنية والاعلام
، ولجأت لتفكيك القوى المعارضة عل طريقة الاستعمار القديمة الجديدة : فرق تسد ... وقامت
هذه الأنظمة ببث الرعب وإثارة الخوف في نفوس الناس وبتخييرهم بين : الحياة والموت ؛
وبين الأمن والأمان أو الفوضى والعنف والإرهاب ....
ـ وبعض من الانظمة العربية لجأت للمواجهة
الدموية المباشرة مع شعوبها ، والتي تنوعت في أشكالها و اساليبها بين المواجهات :
( العسكرية الدموية ؛ والأمنية القمعية ؛ والإعلامية التشويشية وببن التخوين والتشهير
؛ .... إلخ ) ...
ما وودت قوله هنا : بأن الربيع العربي والذي
صدم وفاجأ كثير من الأنظمة العربية في بداية ثورته ؛ فإن أغلب الأنظمة لا زالت على
نهجها الأول الأمني والقمعي ، ولا زالت غير جادة في الاصلاح الحقيقي والذي يرضي الشعوب
؛ ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على إندلاع الشرارة الأولى للربيع العربي ؛ فالأنطمة
العربية لا زالت متجاهلة تماما” لكل المطالبات الشعبية السابقة : ( بالحرية والديمقراطية
والتعددية وبالاصلاحات ومكافحة الفساد ) ...
أما مقولة المخلوع التونسي ( إبن علي )
: الآن فهمتكم ؛ الآن فهمتكم ... فهي مقولة البائس والخائف والهارب ، لذا فهي مقولة
زائفة وكاذبة ولا قيمة لها ؛ قال تعالى : وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ
الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ
وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
(91) !!! وقال تعالى : بل ْبَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ
رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون ( صدق الله العظيم
) .
مرت قرابة خمس سنوات على الربيع العربي
، ولكن مخرجاته وافرازاته تبين لنا وبما لايدع مجالا” للشك ؛ بأن الأنظمة العربية لم
تتفهم إلى اليوم مطالبات ولا حقوق ولا تطلعات شعوبها العربية ، وبقيت متأهبة لتنفيذ
ولتمرير املاءات الأجنبي بأي ثمن ، فكل إجراءات الأنطمة وردود أفعالها جاءت بهدف إمتصاص
غضبة الجماهير أو بهدف التحايل على مطالب الشعوب العربية أو للالتفاف والانقلاب عليها
في أقرب فرصة سانحة ، وظلت الأنطمة ومخلفاتها تتعامل مع شعوبها باستعلاء واستخفاف كبيرين
؛ وعلى خطى العقيد الفذافي حين قال باستعلاء كبير : من أنتم ؟
ولم يستفيدوا من مقولة : إبن علي قبيل هروبه
: الآن فهمتكم ... الآن فهمتكم ....
الأنطمة العربية والتي ثارت عليها شعوبها
سارعت دائما” لاتهام الاستعمار والقوى الخارجية بتحريض شعوبها على الثورة ضدها ؛ ودأبت
على إتهام الإعلام واتهام القنوات الفصائية المختلفة بتعمد إثارة القلاقل وتأليب شعوبها
عليها ...
الدور اللعين للاستعمار في بلادنا لا ينكره
عاقل ، ورغم الدور الكبير للإعلام وللفصائيات والذي لا يخفى على أحد ... فيبقى السؤال
اليوم وبعد مرور قرابة الخمس سنوات على انطلاقة الربيع العربي هو : لماذا تركت الأنظمة
العربية الفساد على حاله ؟ ولماذا تركت الأزمات ؟ ولماذا تركت الثغرات والفجوات ؟ ولماذا
لم تتلمس مطالب الناس ولم تحقق تطلعاتهم ؟ ولماذا لا تتحصن هذه الأنظمة بالديمقراطبات
الحقيقية ؟ ولماذا لا تتقرب من شعوبها بمزيد من الحريات والاصلاحات ؟ ولماذا تركث الثغرات
والمنافذ والابواب مشرعة أمام الاستعمار وأمام الاعلام والفصائيات لينفذوا منها عاجلا”
أو آجلا” ؟؟؟
لقد كان لكم في تركيا المجاورة قدوة حسنة
؛ فالإستعمار عمد أكثر من مرة لإثارة الشارع التركي على حكومته الديمقراطية المنتخبة
ولكنه فشل في مساعيه ؛ ووجد أن الحكومة التركية الديمقراطية والمنتخبة هي أقوى من كل
المؤامرات والألاعيب الاستعمارية ... وقد كان لكم في حكومة تشافيز قدوة حسنة ؛ فبعد
الانقلاب العسكري الذي جرى وبدعم غربي على الرئيس تشافبز ؛ ثار الشعب الفنزويلي وأعاده
تشافيز لرئاسة البلاد لانه يمثل ارادة وخيار الشعب ... فالشعوب دائما” أقوى من الإستعمار
ومن الجميع .
فلا حصانة لأنطمة تستعدي الشعوب ولا تلتفت
لتطلعات وآمال الناس ، وستبقى مثل هذه الأنطمة المستبدة فريسة سهلة للعواصف وللثورات
وللهزات والأزمات مهما صغرت أو كبرت ؛ فكل الأنظمة المتعالية والاستبدادية والقمعية
هي : أوهن بكثير من بيوت العنكبوت ... فلماذا يردد الاستبداديون والقمعيون بين الفينة
والأخرى أن الاستعمار والاعلام المغرض والفضائيات المشبوهة هم السبب المباشر لمشاكلهم
ولثورات شعوبهم عليهم ؟
كان الأحرى بهؤلاء القمعيون أن يلوموا أنفسهم
... وكان من الأجدى بهؤلاء المتسلطون بأن يصطلحوا مع شعوبهم .
الانظمة العربية التي واجهت المطالب الثورية
للشعوب بالعنف وبالمجازر والقمع ، دفعت الشعوب العربية دفعا” لاستخدام السلاح لمواجهة
حملات القتل والابادة .... ومع دخول الأيادي الخارجية والاجنبية المشبوهة على خط المواجهات
بين الشعوب وبين الأنظمة المتسلطة والقمعية ، إنحرف الربيع العربي شيئا” فشيئا” عن
مساره وليصبح اليوم جحيما” عربيا” لا تعرف له نهاية ...