*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 08 نوفمبر 2009
  • 00:00
صلاح الدين والعشائر الاردنية
صلاح الدين والعشائر الاردنية
احمد عويدي العبادي- تاريخ الاردن وعشائره /الحلقة الخامسة   خبرني - فنحمد الله سبحانه على نعمه , ونود التوكيد مرة اخرى ومرات ومرات : ان هذا الكتاب هو عن تاريخ الاردن وتاريخ العشائر الاردنية وليس عن انساب العشائر ولا عن العشائر غير الاردنية وليس عن غير الاردن مع كل الاحترام للجميع , وانما اتحدث في اختصاصي ويعينني ولا اتجاوز الى ما سواهما . ونؤكد مرة اخرى ان الكتابة عن الاردن لا تعني العداوة للاخرين وان حب الاردن لا يعني كره الاوطان والشعوب الاخرى . كما انني اتقدم من كل المتداخلين الذين دونوا معلومات هامة ومفيدة موضوعية , لكنني انعي لحال اولئك الذين ابت عليهم انفسهم الا ان يخلدوا الى الارض لما يحملونه من اوزار الكره لكل ماهو اردني او فيه منفعة للاردن . كما انني ارحب باي انتقاد او تعليق او حتى شتيمة على شخصي , اما الشتيمة على الاردن والشعب الاردني والهمز واللمز والاستخفاف بهذا الشعب والوطن فهي ما لانسامح بها اطلاقا ولا اقول لا نسمح به , واشكر خبرني على نشره لانه ياتي ضمن الراي الاخر . نحن شعب لنا هوية وتاريخ ووجود وكيان شاء من شاء وابى من ابى . ونحن شعب ابي عصي على الدهر والذئاب والاذناب , عصي ابد الدهر على كل احتلال واختلال واذلال وجدير بكل احترام واجلال , ونحن شعب نعلم ( بتشديد اللام ) الاخرين معنى الكرامة والرجولة والصبر والاناة والموالاة والانتماء للوطن دون ان نمن على احد ولكننا نرفض ان يمن علينا احد من البشر في هذا الكون . نحن لسنا انبياء ولكن خرج منا الانبياء وعاش بيننا الانبياء وتوسد ثرانا الانبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا , والاولياء والصحابة والطاهرون والمجاهدون . نحن لسنا ملائكة لكننا لسنا شياطين ولا جنودا للشياطين ولا ادوات للشياطين , ونحن قوم نتحرك حبا بالحرية لا قبولا بالعبودية وليس فقدانا للانتماء للتراب , ونحن كنا نتجول طلبا للماء والكلأ وللامن والحماية والحرية والحياة الكريمة عندما قبلت شعوب اخرى بالذل والعبودية والمهانة الخنوع . نحن عندما نغادر الوطن يبقى الاردن مستقرا في اعماقنا ونتشوف العودة اليه ولو بعد قرون ولا تثنينا فوائد الوطن الجديد وامتيازاته عن اطلال بلادنا وخرائبها . ثم نعود الى الوطن لنستقر فيه وعليه ولو بعد اجيال. لقد تلقيت الشتائم ضدي باقل من العادي وبصدر رحب , ولكن الشتائم ضدنا كشعب ووطن والهمز واللمز امور تستوجب الرد مثلما تستوجب النشر ضمن حرية الراي والراي الاخر , وعلينا كاردنيين الا نتسامح ولا نتهاون في الشتيمة ضد الاردن والاردنيين وضد الهوية والتاريخ والثقافة . وعلى هذه الالسن ان تلتزم الادب فنحن شعب مؤدب لكننا نؤدب من يتجاوز الادب ونعلمه الادب ونعلمه كيف يتادب , ونحن شعب نستحي ونحتشم لكننا نصفع من يخلع ثوب الحياء والحشمة ونعلمه اصول الحياء وكيف عليه ان يستحي ونعلمه كيف عليه ان يحتشم , ونحن شعب صبور وقور ونعلم غيرنا الصبر والوقار . نحن شعب مدرسة كرامة ونعيد الكرامة لمن فقدها وبالتالي لا يجوز لمن نحن اصحاب اليد العليا عليه ان يتطاول علينا . نحن البلد الوحيد في العالم الذي تبدا حدوده بالكرامة وتنتهي حدوده بالكرامة , لاننا شعب كريم واهل كرامة ومدرسة في الكرامة نعلم الاخرين الكرامة وكيفية الحفاظ على الكرامة , فنرجو الا يخدش احد كرامتنا فقد امتزجت في دماء ابائنا واجدادنا منذ الوثنية الى اليوم بتراب الاردن . واما المشككون فهم جزء من مدرسة عبدالله بن سبأ وعبدالله بن ابي كبير منافقي المدينة المنورة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم , والذين وان ماتوا باجسادهم لكنهم مدرسة مستنسخة في النفاق والتشكيك في كل عصر وعادت تطل براسها في الاردن .. نقول لهم قولوا ماشئتم ونحن نكتب ما نريد بل نكتب الحقيقة . فالتاريخ لمن يكتبه . واكرر لكم القول الذي سبق وقلته : ان التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه , ولكنني نصنع التاريخ ونكتبه . فانتم تقولون ضدنا ما لا دليل عليه ونحن نقول لكم ما لا حجة عندكم على نقضه , وشتان بين الهراء والدواء , وبين الزبد والزبدة وبين الثرى والثريا . هذا كتاب يذكر الحقائق ومن حقنا الدفاع عن الاردن بالكلمة المدونة وهي الاخطر , وبالدليل وهو الاهم والاجدر , وبالقلم وهو السلاح الذي لا يفله الا القلم مثله , واما الحلقات الضائعة في تاريخنا فمن مهمة المؤرخ الامين الصادق المخلص ان يعيد بناءها بما يتفق مع السياق وطبيعة الشعب ومراحله . ولم يقع ظلم على شعب في التاريخ العربي مثلما وقع على الشعب الاردني , وان اعظم ظلم لنا ان يقال لنا اننا شعب بلا تاريخ ولا هوية ولا ثقافة ولا كيان ولا وطن . وانا اقول لله در هذا الشعب الذي صمد امام اربعة قرون من التصفية على ايدي العباسيين واربعة قرون مثلها على ايدي الاستعمار التركي والف سنة على ايدي اليونان والرومان وخمسة قرون على ايدي الفرس وبلاد الرافدين وقرنين تحت الاحتلال الصليبي اقول لله در الاردنيين من شعب كيف صمد واستمر واستطاع ان يخترع ويبتدع وسائل للحفاظ على نفسه والتكيف الى ان بقي الى الان . انه اتقن لعبة صراع البقاء حقا . ياله من شعب عظيم حقا , وياله من شعب يعرف كيف يصارع ويصرع من اجل البقاء , ويبتسم عند الجراح ويضحك عند الصياح , وياله من شعب غير وجه التاريخ عبر حقب التاريخ وغير الاسماء وضحك على جميع الدول من الفرس والاشوريين والبابليين والعباسيين والصليبيين والايوبيين والمماليك والاتراك الى الانتداب البريطاني . فعل ذلك من اجل البقاء وحبا بوطنه الاردن ( ياديرتي مالك علي لوم لومك على من خان ) ولم يسجل التاريخ خيانة لاردني ضد بلده منذ الوثنية الاولى الى الان , الا من كانت جيناته هجينة وتلزمه بذلك ؟؟؟؟ . وما كتابتي لتاريخ هذا الشعب وانا في السجن الا لانه شعب يسكن في اعماقي , ولان وطني يسكن في اعماقي حتى عندما كنت وراء القضبان بعيدا عنهما , وهاهو هذا الكتاب بين يدي القراء ليكون وثيقة للاجيال والتاريخ ومن لم يعجبه هذا الكلام قليقل ماشاء له هواه , وليشتم ويتهم شخصي كما شاء له هوى الاتهام والشتيمة , وليذهب يبحث عن الولائم ليملا بطنه الاجرب الذي لم يمتليء من اموال اليتامى والارامل والمظلومين والشعب الاردني , ولياكل الجديان والخرفان والصيصان وليقطع الثروة الحيوانية , الا انه لامكان له في التاريخ ابدا ولكن مكانهم في ( ..... ). ارجو من الاخوة الكرام في خبرني ان ينشروا اية انتقادات او شتائم ضدي كشخص . لاننا نريد من كل صاحب قرار ان يتسع صدره لراي الشعب , ومن حق الشعب ان ينتقد كل مسؤول او كاتب , حتى ولو كان المسؤول سابقا ومهمته البحث عن اصناف الاطعمة في بيوت الناس في ولائم فاخرة لا ياكل منها فقير ولا ارملة ولا يتيم . واكرر القول انه وبدون حرية الكلمة فان الاوطان تبقى مزعزعة الاركان , وانه وباستمرار هذه الولائم فان جمعيات الرفق بالحيوان يجب ان تتحرك لتننقذ الخرفان والجديان والصيصان من افواه لا تشبع ابدا واعين لا تدمع واعمال لا تنفع . . اقول للجميع : لقد زرعت بذورا من الفكر الوطني ومنها هذا الكتاب وغيره سيبقى مابقي الاردن والاردنيون ان شاء الله . فالاشخاص يموتون ولكن الفكر لا يموت , والجاني يلقى حتفه موتا ولكن العدالة لا تموت ولن تموت . وامل ان يكون ما نكتب وسيلة حضارية وعلمية في اعادة كتابة التاريخ الاردني , وان يتحول فكرنا ذات يوم وهو ما اراه عاجلا ام اجلا الى غابة وارفة الظلال وفيرة الغلال ينعم بها الشعب الاردني كله ان شاء الله . أعداء المسيح( Enemies of Jesuscrusaders ) درج الكتاب والمؤرخون على تسميتها بالحروب الصليبية، اما نحن فقد وضعنا عنوانها: أعداء المسيح . ولا بد أن نفرق بين النصرانية والصليبية. فالنصرانية في أساسها دين سماوي توحيدي جاء به السيد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام الذي كان يقول : إلهي إياك وحدك أعبد، ولك وحدك أسجد. حيث ورد في القرآن الكريم أن سيدنا المسيح هو كلمة الله القاها الى السيدة العذراء مريم ابنة عمران عليها الصلاة والسلام، فكانت هذه معجزة مما أنزل الله على البشر.وقد دعا المسيح عليه السلام الى عبادة الله الواحد الاحد , وبشر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم انه ياتي من بعد عيسى . وفي ذلك نصوص قرانية كريمة , قال تعالى : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة وقوله سبحانه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) ( سورة مريم ) ( سريا : سيل ماء جاري كان قد انقطع من قبل ) وقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسن ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * لقد وصف الله سبحانه وتعالى النصارى أنهم أقرب مودة للذين آمنوا، ووصف اليهود أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا. والنصرانية التوحيدية في اصلها دين من الديانات السماوية التوحيدية قائم على الوصايا العشر التي وردت في التوراة , وكررها المسيح وهي: 1= لا يكن آلهة أخرى أمامي". يطالب الله الإنسان أن يعبده وحده دون سواه، 2= "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً". 3= لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً". وهذه الوصية تدعو إلى احترام اسم الله وتقديسه، 4= "اذكر يوم السبت لتقدسه". إن يوم السبت أو يوم الراحة في العهد القديم، ويوم الأحد في العهد الجديد، ليس تدبيراً بشرياً، إنما هو ترتيب إلهي، فإن الله جعل السبت لأجل الإنسان، (مرقس:27/2). 5= أكرم أباك وأمك". 6= "لا تقتل". ليست هذه الوصية مجرد نهي عن ارتكاب جريمة القتل (متى:21/26). 7= "لا تزنِ". وهذا ما صرّح به يسوع في كلامه: "كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى:28/50). 8= "لا تسرق" أفس:28/4) 9= "لا تشهد على قريبك شهادة زور 10= "لا تشته".. واما في الاسلام الحنيف فقد ورد في ورد في الحديث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله علية وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، واكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات . إذن النصرانية دين يدعو في اصله إلى التوحيد والمحبة والسلام: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وإذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدِر له خدك الأيسر. وهو الدين الذي تفرغ فيه عبر تاريخه العديد من الرهبان للعبادة والتعبد. وأن الأردنيين الذين كانوا نصارى واعتنقوا الإسلام بعد الفتح الإسلامي بقوا مع أقاربهم المسلمين على المودة والمحبة والمؤازرة والمناصرة، وجميعهم تشرّبوا الثقافة الإسلامية. وصار عندنا في الأردن مثل أعلى من التسامح الديني، حيث يرفض المسلم أن يشتم أحد الدين المسيحي، ويرفض المسيحي أن يشتم أحد الدين الإسلامي، وكلاهما يغار على دين الآخر بعد الغيرة على دينه، هذه هي النصرانية أو المسيحية وهي في ذلك جزء من تاريخ الاردن على مدى اكثر من اربعة قرون قبل الفتح الاسلامي المبين. أما الصليبية فهي شيء آخر، فهي حركة سياسية عنصرية تكره الشعوب وتهادي الانسانية , وتعمل على التطهير العرقي للعرب من نصارى ومسلمين , ابتدعها الحاقدون الغربيون ضد العرب المسلمين والنصارى , للثلر منا من معارك مؤتة واليرموك والاندلس وشمال افريقيا , وساقوا الحملات إلى بلادنا وبدأوا بقتل النصارى العرب اولا باعتبارهم في عرف هؤلاء الصليبيين كفار متواطئون مع المسلمين ضد الصليب. وبذلك أثبت النصارى الاوائل أنهم أحباب تعاليم المحبة ، لما هم عليه من علوّ الأخلاق والموادعة مع إخوانهم المسلمين , وأثبت الصليبيون أنهم أعداء المسيح، وأعداء المسيحية، وأن أهدافهم لم تكن دينية، وإنما انتقام لبيزنطة وروما، في هزيمتها على يد المسلمين في المعارك المتتالية في ايام الفتح الاسلامي وفي الاندلس ، وطردهم من البلاد. وقد ساهم الأردنيون النصارى قبل إسلامهم، ومن بقي على نصرانيته في دعم الجيوش الإسلامية في مؤتة، وطبقة فحل واليرموك ضد القوات البيزنطية , وبقي هذا الأسى في نفوس الرومان فابتدعوا شكلاً دينياً متطرّفاً لا يمت للسيد المسيح ولا لدينه بأية صلة، وسمّوا أنفسهم حماة الصليب، وحراس القبر المقدس، وضرورة تحريره من العرب (مسلميهم ونصاراهم) ومن المسلمين عربهم وغير العرب منهم. قبل البدء بهذه الحملات الحاقدة: 1. بدأت الأردن أرضاً وشعباً تتنفس الصعداء، حيث بدأت تذوي وتذبل الهيمنة العباسية الحاقدة عن إدارة الأمور، وجاءت منهم أجيال وخلفاء ضعفاء لم يتذكروا سبب الأذى الذي لحق بالأردن واهله ، ولم تعد توجد تعليمات عباسية لتهميش هذا البلد وأهله.بل ان بيت الخلافة لم يعد في موقع يستطيع معه اصدار الاوامر اصلا او حتى الدفاع عن نفسه . 2. ظهرت في هذه المرحلة ثلاثة مراكز للخلافة : العباسية في بغداد وهي استمرار وهمي للعباسية وهي خلافة سنيّة، والخلافة الشيعية / الفاطمية , في القاهرة وهي حاقدة على السنة أيضاً وتدعي انها من البيت العلوي من الطالبيين من ال البيت ، وتتطلع لهيمنتها وهيمنة مذهبها على العالم الإسلامي، ودحر المذهب السني وأتباعه باسم ال البيت . واما الخلافة الثالثة فهي الخلافة الاموية الاندلسية ةالتي اصبحت في ايدي اناس من قبائل العرب ليس منهم من هو من ال البيت ولا من قريش . 3. كان المستفيد الأول من هذا الصراع هم أهل الأردن وبلادهم. لان الاردن تستفيد دوما من صراع الاخرين خارج الارض الاردنية ولكنها اكثر الخاسرين اذا كانت ارض الاردن هي ميدان الصراع .ولا زالت هذه الفائدة او الضرر يتكرر في العصر الحديث تباعا لما قلنا , لانه قانون طبيعي يتعلق بموقع الاردن واهله . استفاد الاردنيون عندما عمل ولاة دمشق وبغداد كل منهم على اكتساب الأردن إلى جانبهم، وحاول الفاطميون في القاهرة أن تتحول هذه الرقعة من الأرض إلى جبهة حماية ودعم لهم ضد سوريا وبغداد والحجاز ، وفي مثل هذه الظروف، وجد الأردنيون أن الفرصة قد حانت للعودة إلى ديارهم، والبدء بلم شملهم وتعمير القرى والمدن وزراعة الأرض، والتعامل بدهاء مع الطرفين، دون إظهار أي عداء لأيِّ منهما .بل ولسان حالهم ( الاردنيون ) يقول :( بطيخ يكسر بعضه ) ( واللي ياخذ امي هو عمي ).اثناء تفرق الاردنيين زمن العباسيين كانت الاتصالات بقيت بشكل طيب بين الاقارب رغم بعد المسافات , وكانوا يتبادلون الاخبار حيث عاد كل غائب الى عشيرته وديرته الاصلية وقيل في حينها او فيما بعد ان هذه العائلة اصلها من كذا وتلك من كذا وهي من العشيرة نفسها وعادت اليها بعد طول شتات عباسي لهم . 4. بدء عودة الاردنيين الى ديارهم ولكن قدوم الصليبيين صدمهم فمنهم من غادر ثانية ومنهم من هادن ومنهم لم يحضر . كانت العشائر الاردنية في وضع لايحسدون عليه من احتلال الى احتلال ومن قوة غازية الى قوة غازية لقد تعلم الأردنيون درساً من موقفهم العلني مع بني أمية فدفعوا ثمناً من الشتات والإهمال والاضطهاد استمر أربعة قرون ونيف على ايدي العباسيين ، وحان الوقت الآن لإعادة المكاسب التي فقدوها، والاستفادة من أطراف النزاع،واكل التفاحتين من ايدي المتخاصمين , والوقوف على مسافة مساوية من اطراف النزاع , لذا بقوا على المذهب السني، ولكنهم استخدموا في أدبياتهم وحوارهم كلمات واصطلاحات شيعية ترضي الدعاة والجواسيس الشيعة الفاطميين , وتعطي الصورة للقاهرة أن أهل الأردن مع الشيعة ( او انهم شيعة ) ، أو على الأقل ليسوا ضد الدولة الفاطمية. وانتشرت الطقوس الفاطمية بين الأردنيين مثل: أربعينية الميت، ومثل ذبيحة الخميس (في شهر نيسان) ومثل زيارات القبور والتبرك بها، ومنها تقديس عليّ بن أبي طالب، ومنها في اللفظ قولهم : ( الله وعلي معاك) , حيث لا زالت هذه المقولة سائدة إلى يومنا هذا بين الناس. ومنها لبس العباءة السوداء ولا تزال . وقد بقيت هذه في الذاكرة الشعبية الأردنية حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين. ومثلما كانت الأوضاع مضطربة في العالم العربي بين سنة وشيعة، وعرب وعجم , وترك وعرب، وتحول الخليفة إلى وظيفة اسمية ليس له إلا الدعاء على المنابر، وصار الحاكم الحقيقي في الخلافة السنية هم الأتراك الطارئون على العروبة والذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، وقد وجدوا دولة هزيلة، وشعبا مشتتا منهك القوى، وكرها من الشعب للحكام، وظلما وبغيا في كل ركن وزاوية، وكلما جاء قائد ادعى أنه يريد العدل والحرية والانقاذ تبعه الناس وصفقوا له، بل إن الناس قد سئمت الحروب والصراعات ولا تريد إلا راحة البال وحماية الذرية والولد والعرض والروح والمال والحلال . فانتشرت عادة التصفيق لمن يملا الايدي بالوعود . وهكذا وعلى مرّ التاريخ تتحول الأردن , أو لنقل هذه البقعة الجغرافية المسماة الأردن إلى واحة أمان واستقطاب وملاذ آمن، إذا ما كانت الأقطار من حولها في أوضاع أمنية مضطربة فكانت ملاذاً آمناً بنصوص العهد القديم، وكذلك في العصر الاموي , يانوسن اليها عندما يشعر الناس أو الأمراء أو الملوك من حولها بالخطر . وإذا شعر أهلها بالخطر فيها غادروها إلى خارجها او غيروا اسماءهم وتحالفاتهم ، حتى إذا ما اضطربت أمور مصر والعراق وسوريا والحجاز وفلسطين، عاد أهلها إليها، وجاء معهم غيرهم، طلباً للأمن والأمان. وبذلك فإن الأردن تنتفع على مرّ العصور مما يحلّ بجوارها من الأقطار والشعوب من مآسي ومصائب. وفي العصر الحديث نعيش هذه الشواهد إلى يومنا هذا مطلع القرن الحادي والعشرين. صارت بغداد مضطربة بسبب هيمنة الأتراك والأعاجم، وسوريا كذلك بسبب تعاقب احتلالها بين دولة القاهرة ودولة بغداد، ومصر كذلك إذا ما داهمها خطر داخلي أو خارجي، وهنا تحركت الذاكرة الجماعية للعشائر الأردنية النازحة في سوريا وفلسطين والعراق ومصر وتركيا وشمال افريقيا وغيرها ، وتذكروا بعد أجيال أن ( الاردن ) ديار الآباء والأجداد أكثر أمانا لهم بل وهي اولى بهم مما سواها من البلدان ً.لذلك ظهر مثل اردني يعبر عن هذه الحالة وهو : ( الديرة طلبت اهلها )ولا يقولون الاهل طلبوا الديرة , باعتبار ان للاردن جاذبية خاصة تجذب اهلها اليها ولو بعد حين , ولا زال هذا المثل الاردني سائرا الى يومنا هذا . فالديار الاردنية صارت امنة وبالتالي فالامان / اي الديار تطلب الناس للعودة الى مضاربهم وديارهم , وكذلك كان . وبذلك عادت الحياة إلى الأردن مرة اخرى ، وتم إعمار المدن والقلاع والقرى والقنوات وإصلاح مصادر المياه، وزراعة أشجار البلوط والبطم والسنديان مرة أخرى , وانتعشت الحياة الزراعية والتجارية والرعوية مرة أخرى، وتوقفت القوى المتصارعة في بغداد والقاهرة عن إلحاق الأذى بالأردن لأنه صلة الوصل إلى الديار المقدسة وبوابة الفتح لجزيرة العرب ومصر والشام وفلسطين، وكل يريد المرور والعبور الامن دون أن يمنع الطرف الآخر، أو أن يمنعه الطرف الآخر، وصار الأردن كمنطقة محايدة لردح من الزمن.فاستفاد الاردنيون من ذلك واستفاد الاردن من ذلك ايضا . وتعلموا ان اعلان العداوة او الولاء الى طرف ما انما يعني دفع الثمن غاليا, لذلك فهم يرحبون بالجميع ( واللي بالقلب بالقلب ) وايضا ( خلي لك بالقوم صاحب ) وايضا ( اجرح قد ماتقدر تجرح ولكن خلي للصلح مطرح ) وايضا ( خلك صاحب / صديق للجميع ) وقد انتشرت هذه الامثال الاردنية لدي الشعوب المجاورة فيما بعد . ولم تاتي هذه الامثال عن عبث ابدا , بل هي محصلة تجارب اردنية مرة دفع الاردنيون ثمنها عبر الايام . ظهر السلاجقة الأتراك في بغداد وقد هيمنوا على جميع الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية فيها ، وصار الخليفة العوبة في أيديهم لا قيمة له، إلا القيمة الاسمية ووضع اسمه على العملة، وخطبة الجمعة. خليفة في قفص بين وصيف وبغا يقول ماقلا له كما تقول الببغاء واما وصيف وبغا فهما وزيران اعجميان عند الخليفة العباسي في العصر المتأخر وكانت هذه القبائل السلجوقية قد جاءت من أواسط آسيا، واعتنقت الإسلام وحاربت أبناء جلدتها الأتراك ممن بقي منهم على الكفر، وانتصرت عليهم وتوسعوا إلى بغداد بعد أن اجتاحوا بلاد فارس واجتازوها . وفي عام 1076م قام السلاجقة باحتلال سوريا وفلسطين دون أن يدخلوا الأردن الذي صار مرة اخرى ملجئاً للعشائر النازحة من هذين القطرين طلباً للأمان، وهدفا لعودة العشائر الاردنية التي كانت نازحة منه ان تعود اليه مرة اخرى لانه الاكثر امنا في غياب العباسيين . وصارت الاردن بلادا تستقطب العشائر من ابنائها وممن سواهم , سواء أكانت من أصل أردني، أو أنها قبائل سورية أو فلسطينية . واحتل السلاجقة بيت لحم وبيت المقدس، حيث كانتا قبلة الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا. كان السلاجقة يعانون من عقدة العداء مع الكفار من أبناء عرقهم التركي في أواسط آسيا، والذين قاموا أصلاً بطرد السلاجقة من معاقلهم وبلادهم الأصلية، فصارت عندهم عقدة الكره ضد كل من هو غير مسلم، والحقد على الكفار بشكل عام.ونضبت قلوبهم من التسامح العربي الذي كان سائدا في هذه الديار من قبل , وهم لايعرفون العلاقة العربية بالنصرانية ومدى تلاحم عشائر هذه الديار بغض النظر عن عقيدتها ودينها . مارس السلاجقة أساليب البطش والإهانة ضد الحجاج المسيحيين إلى بيت المقدس، بعكس ما اعتاده هؤلاء الحجاج أيام الحكم العربي من التسامح والاحترام منذ العهدة العمرية زمن سيدنا عمر الفاروق إلى هذا العصر ( القرن الحادي عشر الميلادي ) . وقد كان العرب المسلمون يساعدون الحجاج المسيحيين ويدلونهم على الأماكن المقدسة وعلى أداء المناسك، وهذا كان مثالاً فريداً من تسامح العرب ليس تجاه أبناء جلدتهم من النصارى فحسب ، بل ومع المسيحيين من شتى الأعراق والجنسيات. وانتشرت الأخبار في أوروبا أن التسامح العربي قد توقف وأن الإهانة صارت رديفاً لأداء الحج المسيحي إلى بيت المقدس حتى إذا ما حل عام 1094 أي بعد حوالي عشرين عاماً من ممارسات السلاجقة العدائية والوحشية في القدس، ذهب بطرس الناسك لزيارة القبر المقدس في كنيسة القيامة بالقدس، وهنا رسخت في ذهنه الصورة السلبية المنقولة إليه أصلاً ممن سبقوه من الحجاج المسيحيين ، وشعر بالمهانة والمذلة، وتألم لما يعانيه أبناء جلدته ودينه من تعسف وظلم على يد من يملكون مقاليد الأمور، وارتفعت أصوات النصارى عالية تبكي على أيام العرب حيث كان المسيحي يقوم بطقوسه ومناسكه بكل حرية وبدون تدخل أو تحوير أو تغيير , لا بل وبدلالة من العربي المسلم . لم يدرك بطرس الناسك أن العرب من مسلمين ونصارى كانوا يعانون من هؤلاء الأعاجم الحكام على مدار اليوم والليلة والسنة وأن ما رآه بطرس من تدخل ليس مقصورا على مناسك حجه، وانما يتعداه لتدخل هؤلاء الاعاجم في كل شأن من شؤون الحياة عند العرب المسلمين منهم والنصارى . من هنا بدا العرب جميعا يفقدون الحرية والكرامة والعدالة بغض النظر عن دينهم , حيث أن تحكم الأعجمي بالعربي مطبوع عادة بالإهانة والحقد على الدم العربي وليس على الدين وحده ، بينما لا يفعل العربي ذلك إذا حكم الأعجمي او تحكم به . كانت الأجواء في الشرق العربي والغرب المسيحي مهيأة للصراع والتعبير عن الثورة الداخلية كل في مكانه ومجاله. وحمل بطرس الناسك مشعل إعلان الحرب الصليبية المقدسة ضد المسلمين والعرب ، وطردهم من القدس وبيت لحم وفلسطين، وأن تقوم دولة صليبية متعصبة فرنجية لحماية هؤلاء الحجاج عند الذهاب والزيارة هناك. وقد استمع إليه أفواج الحجاج الأوروبيين الذين وجدوا في دعوته هذه تعبيراً عن آلامهم وامالهم وطموحاتهم . وقد ساعدت الأوضاع الأوروبية الدينية والسياسية والاقتصادية والأمنية على دعم هذه الدعوات: ولا بد هنا من ذكر بعض النقاط الهامة التي تبيِّن الأوضاع الأوروبية العامة وساعدت على قيام الحروب الصليبية: 1. كانت الكنيسة في اوروبا تهيمن من خلال الوقف الكنيسي على مساحات واسعة من الأراضي الخصبة والإنتاج الوفير، فضلاً عن سيطرتها على عقليات ونفسيات الناس، وأنها يمكن أن تعطي صكوك غفران للشخص أن يدخل الجنة، وتنقذه من النار. وبالتالي كانت أوامرها مقدسة إلهية وطاعتها تعطي المطيع مفاتيح الجنة، وتعطي العاصي مفاتيح النار، وبالتالي فإن كلمة من البابا كانت ستغيِّر التاريخ السياسي والاجتماعي في أوروبا برمتها . 2. وزاد من قوة الكنيسة أنها كانت كنيسة واحدة وهي الكاثوليكية المرتبطة بالبابا في روما، ولها لغة رسمية واحدة وحضارة واحدة، ولها ثأر تاريخي احد موحد مع المسلمين والعرب منذ معركة مؤتة وطبقة فحل واليرموك إلى ما وصل إليه الحال في حينه. 3. وكان النظام العام في أوروبا منقسماً بين نظام إقطاعي كنسي، ونظام إقطاعي للأمراء المحليين، وكان كل واحد يخشى سطوة النظام الآخر خفية ويتظاهر باحترامه . وبذلك صارت الدعوة لحرب صليبية مقدسة متنفسّاً لتفريغ شحنات الكنيسة وأمراء الإقطاع كليهما على حدِّ سواء. 4. وجد الأمراء في دعوة الكنيسة فرصة لهم للسيطرة على ثروات الشرق، وإقامة إمارات وممالك هناك وبخاصة أن الكنيسة اعترفت لهم سلفاً بامتلاك الغنائم والامتيازات التي سيحصلون عليها وان ذلك سيكون مالا حلالا زلالا ومشروعا لانه نهب من الكفار ( المسلمين والنصارى العرب ؟؟؟؟ ) مما حدا بكل أمير أن يطلق سراح السجناء الذين عنده ويحوّلهم إلى جيش إجرامي , ولكن ليس بحق مجتمعه بل بحق العرب والمسلمين في الديار المقدسة، وهذا ما وجد أيضاً ترحيباً من المجرمين والمطلوبين ومحبي المغامرات والإجرام، وعصابات الاشرار , وأصحاب النزعات الشريرة والصعاليك الهاربين للغابات، والأبناء الذين لا يرثون لأن الميراث كان محصورا عادة بالابن الأكبر للحفاظ على عدم تجزئة الملكية والثروة. وأما الكنيسة فكانت تعطي هؤلاء المجرمين صكوك غفران من الذنوب ودخول إلى الجنة وأن أعمالهم الشريرة ضد المسلمين هي نمط من الثواب المؤدي إلى جنة الفردوس. 5. تطلع الأمراء الأوروبيون للسيطرة على الموانئ وخطوط التجارة في البلاد العربية لزيادة ثروتهم. 6. حولت الدعوة للحرب الصليبية الصراع المحلي بين أمراء الإقطاع بعضهم بعضاً، وبينهم وبين الكنيسة إلى عدوّ وهمي أكبر، وهو عدوّ للجميع. إنه العالم الإسلامي. وقد أدرك البابا والكرادلة والأمراء أن شنّ هذه الحرب سينقذ الكنيسة والأمراء من الانهيار. وبناء عليه تبنى البابا أربان الثاني عام 1095 إعلان الحرب الصليبية المقدسة ضد المسلمين وتطهير البلاد من المسلمين والعرب (من نصارى ومسلمين)، وأن على جميع النصارى الأوروبيين تخليص كنيسة القيامة من أيدي المسلمين. وأشار البابا إلى توافر فرص تأسيس الممالك والإمارات الأوروبية الصليبية في بلاد العرب، وحرّض الجميع على القتل مقابل الغفران والثواب والجنة. وأعلن البابا أن هذه الحرب هي إرادة الله، فصاحت الجموع باللاتيني Deus vult ـ الله أرادها. وأمر البابا بلبس شارة الصليب كإشارة على هذه الحرب وهدفها، ومن هنا سميت: الحروب الصليبية. وسارت الجموع الأولى عام 1097م ووصلوا إلى أنطاكيا (شمال سوريا) حيث أقاموا فيها أول دولة صليبية. واحتلوا القدس عام 1099م، بعد أن كان الفاطميون انتزعوها من السلاجقة، فطارت من أيدي الطرفين السني والشيعي معاً. وقد قام الصليبيون بقتل الناس دونما تمييز يقتلون كل عربي مسلم ونصراني واعتباره في عرفهم مسلماً يجب قتله وتحرير القدس منه، وامتلأت المدينة بالجثث من الرجال والأطفال في مذابح إبادة حقيقية. وقد نقل المؤرخ اللاتيني المعاصر فوتسيه دي شارتنر تفاصيل هذه المذبحة. ووصف ابن خلدون همجية الإفرنج في حصارهم للقدس لمدة أربعين يوماً، دخلوا المدينة بعدها من الشمال وقتلوا في المسجد الأقصى سبعين ألفاً أو يزيدون فيهم العلماء والزهاد والعُبّاد، وأخذ نيف وأربعين قنديلاً من الفضة وحاجات ثمينة أخرى كانت في المسجد الأقصى. ووصل صريخ الناس إلى بغداد. في عام 1100 صار بلدوين ملكاً صليبياً على القدس وسيطر على الساحل الفلسطيني , وهرب الأحياء إلى الأردن كملاذ آمن، فتنبه الصليبيون إلى أهمية هذه المنطقة ( ماوراء الاردن / شرق الاردن ) وخشيتهم من تجمع المسلمين فيها وشنّ هجوم على القدس، فقام بلدوين بحملة إلى بيسان (وكانت أردنية) واحتلها وأريحا (وكانت أردنية أيضاً) واحتل الكرك شرقي البحر الميت وكانت تسمى كرك مؤاب، ثم تحرك نحو الشوبك في مطاردته للعربان والفرسان وحط رحاله فوق القلعة الأدومية المؤابية النبطية وهي الشوبك ورفع جدرانها وأسوارها وحيطانها، وأتم ذلك عام 1115م وسماها مونتريال Mons Regales Mont Royal أي الجبل الملوكي. وذلك لأهداف كثيرة منها السيطرة على الطريق الصحراوي الذي يربط الشام بالحجاز والأردن ومصر , وبقاء العربان بعيدا عن الكرك . ثم امتد نفوذ الصليبيين إلى العقبة على البحر الأحمر، وبذلك صارت غالبية الأردن تحت الاحتلال الصليبي، وخلدت القبائل إلى السكينة . وجدت القبائل الاردنية القريبة من مراكز التحصين الصليبي انهم مهددون وان هؤلاء الغزاة ماكثون طويلا , وانه لايلوح في الافق اي بارق امل لقوة اسلامية يمكنها ان تدحر هؤلاء المحتلين , بل ان الصراع السني الشيعي كان في اوجه ايضا , وان العنصر العربي بعيد عن القرار بسبب سيطرة السلاجقة على مقاليد الامور في بغداد . كانت الكرك تشمل من جملة ماتشمله : المناطق من جنوب العلا الى ساحل البحر الاحمر الى معان والشوبك في الجنوب . اما العشائر في منطقة الكرك وابرزها انذاك : فروع جذام , وفروع قضاعة وفروع بلي وفروع الانباط , وبقايا والغساسنة ( بفرعيهم المسلم والنصراني ) وبلقين , اقول كانت هذه العشائر ممن بقي منهم او عاد بعد فترة الاضطهاد العباسي والتشتيت العباسي للعشائر الاردنية كما سبق وقلنا , امام الخيارات التالية : == مقاومة الصلبيين وهو امر متعذر لانهم عربان امام جيش الغزاة الذي يتسلح باحدث الاسلحة في حينه , وبالتالي فان المقاومة كانت تعني الانتحار والابادة وبالتالي خدمة الاغراض الصليبية بتفريغ البلاد من اهلها . ==والخيار الاخر هو شن حرب استنزاف كما فعل اجدادهم مع اليونان والرومان , ولكن وجود قلعة الشوبك الصليبية في اعماق البادية الاردنية , وقلعة ايلة في العقبة والسيطرة على بعض الجزائر في خليج العقبة ووجود حاميات صليبية في هذه القلاع حال دون ذلك . == الخيار الاخر هو الالتجاء الى قوة عربية والتي كانت معدومة في تلك المرحلة . == الاندماج مع الصليبيين وذلك يعني الردة عن الاسلام والانسلاخ من ثوب العروبة وروحها وهي امور مستحيلة جدا , بل انه حتى النصارى الاردنيين كانوا يعانون من اضطهاد الصليبيين لانهم عرب فكيف بالمسلمين ؟ == الاقرار بالاحتلال الصليبي مما سيضفي عليه شرعية الوجود وهو امر مرفوض اردنيا بشكل كامل من المسلمين والنصارى ,ويعرض من يؤمن به الى لعنة الاجيال والتاريخ . وهناك فرق بين الصمت والمداراة وبين اعطاء الشرعية . == اذن كان الخيار الوحيد هو المهادنة ( الا ان تتقوا منهم تقاة ) , مهادنة عدم تبادل الاعتداء والاذى وانما تبادل المصالح والتفاهم وتبادل الانتاج , وبالتالي توقيع هدنة مع القوة الغازية ان يتركوا العربان وشانهم على ان يتصرف العربان بالطريقة نفسها الا يقاوموا او يدعموا اية مقاومة . كانت فروع الغساسنة وجذام والانباط وقضاعة والادوميين قد عادوا الى الديار مرة اخرى . واتفقت هذه العشائر على هدنة عدم اعتداء مع مملكة الاحتلال الصليبي بالكرك ، مما وفر لهذه الفروع فرصة الاستقرار في ديارهم الكركية انذاك ،وحماية اموالهم واعراضهم وديارهم وانتاجهم . وقد كانت عشيرة العبابيد من ابرز من وقع معاهدة عدم اعتداء مما اثار حفيظة صلاح الدين ( فيما بعد ) فأمر بترحيلهم الى مصر ولكنهم رفضوا مغادرة بلدهم الاردن , ووافقوا على الرحيل الى البلقاء حول السلط وعمان بعد اشتراكهم مع العشائر الاردنية في معركة حطين . وقام صلاح الدين بحرق قرى وزروع القبائل الاردنية في مناطق الكرك لاتهامه اياهم بالصداقة والعمالة مع الصليبيين , . كانت مهادنتهم مع الصليبيين نمطا من الصراع من اجل البقاء , ووسيلة في منتهى الذكاء للتخلص من اذى الاحتلال في غياب الدولة العربية الاسلامية التي يمكنها ان تحميهم . كانت هذه العشائر عاشقة لوطنها , وتعود اليه مجرد ان تلقى بصيص امل من الاستقرار في هذه الديار , والمبدا هو : الدولة دولة والناس ناس تعرض اليهود في فلسطين للقتل والتعذيب على ايدي القوات الصليبية , لاتهامهم بقتل المسيح عليه الصلاة والسلام , وبالتالي صار كل من في فلسطين ( من مسلمين ونصارى عرب ويهود ) هدفاً للسيف والموت الصليبي. وكانت الظروف في البلاد العربية مناسبة جداً لنجاح الصليبين في هذه الجبهات، وهذا ما نذكره في النقاط التالية: 1. انقسام منصب الخلافة إلى ثلاثة كما قلنا ، سنية ضعيفة في بغداد تحت وطأة الأعاجم، وليس لها الا الاسم في الخطبة وعلى صكوك العملات، وخلافة شيعية فاطمية في مصر، واندلسية من عامة العرب بعد ابادة بني امية عن بكرة ابيهم , وكل منها تريد القضاء على الأخرى، رغم اقتراب الخطر الصليبي منهم ، فإن الفرحة لا بد وانتابت السلاجقة بدحر خصومهم الفاطميين من فلسطين.اما الخلافة في الاندلس فتحولت الى طوائف متناحرة متنافرة للاسف الشديد . 2. كان الشعب العربي منهك القوى، بسبب ارتفاع الضرائب، وتفشي الخوف والرعب الذي استمر مئات السنين على ايدي العباسيين ثم لحقه الرعب الذي ادخله الصليبيون الى قلوب الناس . فكل القوى الغريبة على شعبنا لاتتعامل معه الا بلغة السيف ضد هذا الشعب المنكوب . ، وبالتالي تدني الإنتاج، وصعوبة العيش والحياة. وكان الحقد الشعبي على قياداته وسوء الإدارة وعدم احترام الناس واضطهادهم قد أوجد بونا ً شاسعاً بين الحاكم والمحكوم إلى درجة أن كل واحد لم يعد مهتماً بمصير الآخر، لانشغاله بنفسه عمن سواه , كما هو حال الناس هذه الايام . 3. كانت القوة والسيادة ومراكز القرار بأيدي الأعاجم، ولم يكن للعرب حيلة، وكان هؤلاء لا يسمحون للناس بالتدرب على السلاح، ولا يسمحون لهم بالتنظيم خشية انقلابهم ضد الأعاجم، فعندما جاء العدو الصليبي وجد أناساً عُزَّلاٌ من السلاح، ضعفاء، يسيطر عليهم الرعب من دولتهم ومن الصليبيين في آن واحد. فكانوا لقمة سائغة لسيف الصليب، فصاروا كهشيم المحتضر. 4. صارت الأردن منطقة استقطاب للهاربين من بؤرة الصراع ودوائر الخطر بفضل سياسة العشائر الحكيمة فضلا عن الاسباب التي ذكرناها سالفا . وبالتالي خشي الصليبيون من تشكيل جبهة حربية مناوئة، فتقدم بلدوين الأول واحتل بيسان ثم وصل إلى الكرك فالشوبك وبذلك حقق الأهداف التالية: ‌أ. فرض هيبة الدولة الصليبية الجديدة في أعماق البرية والبادية الاردنية مفتاح الشام والجزيرة ومصر وفلسطين . مما يتضح أنه فهم أهمية الأردن وأهمية السيطرة عليه، وأنه قد يكون جبهة الخطر لإسقاط مملكته مثلما هو جبهة القوة لحمايتها . ‌ب. سيطر بذلك على طريق القوافل ما بين الشام ومصر والحجاز، وعلى طريق التحركات العسكرية التي قد تسير ما بين مصر والشام والعراق . ‌ج. سيطر على طريق التجارة القادم من اليمن والحجاز. ولإكمال مخططه التجاري والعسكري والأمني سيطر على العقبة (أيلة) حيث نقطة التقاء الأردن وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا وجزيرة العرب من اليمن والحجاز. ‌د. تطلع بلدوين إلى سهول حوران في شمال الأردن وجنوب سوريا وعقد اتفاقية مع حاكم دمشق، حيث تنازل حاكم دمشق عن ثلث واردات الأراضي في حوران وشمال الأردن لصالح بلدوين. ولكي يؤمِّن بلدوين انتظام هذه الواردات بنى في عام 1110م (504هـ) قلعة الحابس التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر اليرموك، قرب قرية الشجرة، فكانت هذه أول حصن بناه الصليبيون في الأردن، بنوا بعده حصن الشوبك عام 1115 كما ذكرنا سابقاً. وبالمقابل قام حاكم دمشق بتحصين جرش مقابل تحصين الصليبيين لهذه القلعة ( قلعة حابس ) . وفي عام 1111م (505هـ) قام بلدوين بمحاصرة صيدا، مما أضعف جيشه وحامية حابس، فقام حاكم دمشق باحتلال هذه القلعة، ولكن بلدوين لم يتمكن من استعادتها، واستعاض عن ذلك بهجومه على قافلة تجارية كانت تسير إلى جنوب البحر الميت وهو على رأس مائتي جندي، ففتكوا بالقافلة وسلبوها، وذلك عام 1112م. (506هـ)، وقد أدرك الصليبيون أهمية جنوب الأردن ووادي عربة، ودور هذه الديار في خطوط المواصلات والتجارة والحملات العسكرية بين مصر والحجاز والشام والقدس، وأن السيطرة على هذا الجزء سيحمي مملكة القدس من الهجمات العربية التي قد تسلك هذه الطريق. فكانت خطوته ببناء قلعة الشوبك عام 1115م (508هـ) كما قلنا. تقع قلعة الشوبك قرب خرائب العيص وهي الموطن الأساس للنبي أيوب الأدومي العربي الاردني عليه السلام , الذي له سفر في العهد القديم باسمه "سفر أيوب" ومكتوب بلغة جميلة وفصيحة بما يدل على اصل النص العربي فيه ، وقد قام بلدوين وفرسانه بزيارة شخصية لجنوب الأردن بدءاً بقلعة الشوبك (1116م ـ 509هـ) ثم ذهب إلى البتراء، ثم إلى أيلة العقبة، ثم إلى طور سيناء حيث لم يجد الترحيب اللازم من رهبان الدير هناك. فعاد إلى القدس عبر الخليل حيث أدرك بلدوين أهمية الأردن وجنوبه، ووجد أن الاحتفاظ بهذه الديار يعني حماية ظهير مملكة القدس الصليبية، فأصدر أوامره بتصليح القلاع القديمة ومنها قلعة الصويت في وادي موسى ـ وبناء قلعة في جزيرة فرعون، والطفيلة ومعان والوعيرا في جبال الشراة. وبذلك أسفرت هذه الزيارة عن زراعة مخافر صليبية لتكون مراكز للحاميات العسكرية التي قرر بلدوين أن ترابط في الأردن، وأنه بدونها لن ينام قرير العين في القدس، ولكن الموت أراح الناس من شر بلدوين إذا مات عام 1118م (511هـ) عندما كان راجعاً من حملة حملها على مصر وقد خلفه على العرش ابن أخيه بلدوين الثاني. وبموت بلدوين الأول، بعد بنائه للقلاع في الأردن، تركزت الأضواء الإقليمية على هذا البلد، حيث أن حاكم دمشق، وما أن علم بموت بلدوين الأول , حتى حشد جيشه وسار باتجاه الأردن لتحريره من الصليبيين، وإبقائه منطقة ملاذ آمن، أو ضمه إلى دمشق، وصل إلى طبريا (وكانت أردنية تحت السيطرة الصليبية) ونهبها ثم إلى عسقلان حيث انضم إليه الجيش المصري المرابط هناك. وبعد أن بثّ الذعر في أنفس الصليبيين، وبسبب وضعه الداخلي المهلهل انسحب إلى دمشق، عازفاً عن احتلال الأردن أو تحريرها من الاحتلال الصليبي اوتحويلها الى ملاذ امن . وهنا وجد الصليبيون الفرصة لتوكيد قبضتهم على الأردن، حيث جمعوا جموعهم وزحفوا إلى شرق الأردن، فاستعادوا قلعة الحابس من قوات حاكم دمشق ثم تغلغلوا في حوض اليرموك وحوران ووصلوا إلى بصرى حيث تغلبوا على ابن حاكم دمشق الأعجمي، ثم عادوا إلى القدس. وبذلك نجد أن كلاً من الصليبيين وحكام دمشق في حينه كانوا يتحركون لتحقيق أهداف تكتيكية قصيرة المدى لإظهار القوة وفرض الهيبة، ثم ينسحبون، وليس من أحد منهم قادر أو مستعد على التوغل عميقاً في مملكة الأخر. فالصليبيون كانوا يخشون إثارة الممالك الإسلامية وأن تتنادى للتوحد إن هم تجاوزوا الحدود، والأمر نفسه بالنسبة لحاكم دمشق في تعامله مع الأعداء في أن الامارات الصليبية قد تتحد ضده من أنطاكية حتى العقبة . وفي سنوات 1119 حتى 1121 (515هـ) وقعت حملات متبادلة بين حاكم دمشق وبلدوين انتهت باحتلال بلدوين لمدينة جرش وتدمير قلعتها، ثم غادرها إلى القدس، ولكن مصير بلدوين كان إلى الأسر بأيدي قوات حاكم دمشق، وثم إطلاق سراحه عام 1125م (519هـ)، ثم قاد جيشه إلى شرق الأردن والتقى طغتيكن حاكم دمشق قرب مرج العفر وشاء الله النصر للمسلمين على بلدوين فانسحب متقهقراً إلى القدس. وقد تنفس بلدوين الثاني الصعداء لموت طغتكين عام 1128م (522هـ)، كما آلت الشوبك إلى رومان دي بوي Roman De Puy، وسميت مونتريال الكرك، وسمي حاكمها أمير بلاد ما وراء الأردن، ولكنه تمرد على الصليبيين وآزره ابنه، فانشق عنهم فحوكم وتم عزله عن الإمارة وتعيين باين Payen الملقب بالسكير عوضاً عنه. ورغم التقلبات على العرش الشوبكي، واحتلال وتحرير القلاع الشمالية، إلا أن الأردن نعمت بهدوء، وصار الناس يعيشون وهم لا علاقة لهم بالسياسة، وهذا استمرار لثقافة أردنية منذ زمن الوثنية أن يعيش الأردني حياته بعيداً عن تقلّبات السياسة وأنظمة الحكم بمقولة تاريخية العرب عرب والدولة دولة People are People and state is state ( apart from people ). وازدحمت البلاد بالناس وسكت الصليبيون لأن السكان لا يخلقون لهم أية مشاكل، ولا يمارسون حرب استنزاف ضدهم، وصار ميثاق التفاهم أن كل طرف يعمل ما يحلو له دون أن يتدخل أو يؤذي الطرف الآخر ةmutual understanding of interest and benefit . مثل هذا الوضع جعل الأمراء يتفرغون للصراع فيما بينهم، سواء الأمراء المسلمون، أو الأمراء الصليبيون، وصارت جبهة الأردن بالنسبة لكل طرف جبهة مسالمة , وصار الاردنيون لا يقاومون من يأتي اليها ، ولا يبكون على من يذهب منها ، ويرحبون بالمحتل، وينسون الحديث عن المنهزم، يتفرجون كأنهم يشاهدون مصارعة ثيران، أو أبطال فيصفقون للفائز، ويسخرون من المنهزم، هذه الحقيقة المرة كالعلقم ، ولم يكن للاردنيين من خيار غير هذا ابدا . انتهى الصليبيون من إعادة بناء قلعة الكرك عام 1142م (537هـ) أي بعد بناء الشوبك، وبذلك صارت جبهتهم الأردنية منيعة لا يعكر صفوها السكان الذين سئموا الحياة مع العنف، وكرهوا الحرب والقتال، ويريدون العيش الكريم في ظل أي حاكم كائناً من كان. وأصبحت الكرك أمنع حصن صليبي في شرق الأردن . وقد تم بناؤها فوق قواعد القلعة المؤابية التاريخية. وأطلقوا عليها اسم حجر البادية La Pierre De Desert. وتم البناء زمن فلك Fulk of Anjou الذي كان في كفاح مستديم مع ابن زنكي ملك حلب ولكن فلك Fulk مات عام 1143م (538هـ) وخلفه ابنه الأكبر المسمى بلدوين الثالث، وحيث كان طفلاً يافعاً، فقد قامت أمه ميلسند Melisend بإدارة شؤون مملكة الكرك الصليبية وبرهنت على حكمة وحنكة هائلة في أمور الدولة، وحافظت على الحلف مع حكام دمشق، ولم يكن ما يعكر صفوها من أهل البلاد. كانت قلعة الوعيرا في وادي موسى بأيدي المسلمين، ولكن القوى الصليبية حاصرت هذه القلعة عام 1144م (539هـ) وهددت بقطع أشجار الزيتون في تلك المنطقة التي كانت وافرة في وادي موسى. فسقط ح

مواضيع قد تعجبك