خبرني- يكشف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي أعدم نهاية (كانون الأول) 2006 في وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف القومي الأميركي الأربعاء الماضي خفايا كثيرة عن حروبه وأيامه الأخيرة في الحكم وحتى اعتقاله وظروفه في السجن.
وتواصل
صحيفة "الشرق الأوسط" نشر الحلقة الخامسة الاربعاء و هي عبارة عن محاضر 20 استجوابا رسميا وخمس محادثات عادية أجراها جورج بيرو، وهو محقق من مكتب المباحث الفيدرالي الأميركي «إف بي آي»، للرئيس السابق ما بين 7 فبراير (شباط) و28 يونيو (حزيران) 2004. وعندما سئل عن الانتفاضات التي أشارت تقارير عديدة لاندلاعها جنوبي العراق بعد حرب عام 1991، قال صدام إنه في غضون يوم واحد من وقف إطلاق النار عام 1991، شرعت «بعض العناصر» في تنفيذ عمليات تخريبية في المدن العراقية الجنوبية، البصرة والناصرية والعمارة. وفي وقت لاحق، انتشرت تلك الأنشطة إلى مدن شمالية، السليمانية وإربيل وكركوك.
وقال صدام إن الجماعات التي نفذت مثل تلك العمليات «مدفوعة من إيران»، موضحا أن العراق ألقى القبض على 68 ضابط استخبارات إيرانيا تمت مبادلتهم لاحقا مقابل أسرى عراقيين. وأشار صدام إلى أن «العناصر» التي شاركت في الانتفاضات كانت مزيجا من لصوص ومتمردين و«أولئك الوافدين من إيران». وتضمنت المجموعة الأخيرة أشخاصا يعملون لحساب الحكومة الإيرانية، وعراقيين من أصول إيرانية، وعراقيين «هربوا» إلى إيران. وأكد صدام أنه في أعقاب اتخاذه قرار بإعادة التأكيد على سيطرة الحكومة على البلاد، أولت القيادة العراقية المنطقة الجنوبية من البلاد أولوية كبرى. وكانت تلك هي المنطقة التي واجهت فيها القوات العراقية وحاربت عناصر تنتمي بصورة أساسية لإيران. وبعد استعادة النظام إلى جنوبي العراق، ركزت القوات الحكومية على المنطقة الشمالية، حيث جابهت مقاومة هزيلة، وأحيانا لم تجد أية مقاومة. وأكد صدام أنه كان يجب على الحكومة العراقية مواجهة هؤلاء الأفراد الذين شاركوا في الانتفاضات، وقال إنه على الرغم من أن «أجنحة السلطات كانت مشتتة» بسبب حرب 1991، فقد قامت الحكومة العراقية بـ«إلقاء القبض عليهم وضربت العدو». وأضاف أن هؤلاء الذين لا يردعهم الكلام يردعهم السلاح. وطلبت القيادة العراقية من الجيش أن يجمع أكبر قدر ممكن من القوات لمواجهة «الخيانة» وللتعامل مع الاضطرابات.
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ 13 ـ 11 (آذار) 2004
* قبل بدء المقابلة، قيل لصدام إن هذه الجلسة سوف تكون استكمالا لجلسات النقاش السابقة المتعلقة بالكويت. فيما يتعلق بالمعلومات التي أوردتها الحكومة الكويتية والتي تشير إلى أن الغزو العراقي واحتلال الكويت قد أسفر عن خسائر للدولة قيمتها 180 مليار دولار. سأل صدام عن مصدر تلك المعلومات، وعندما أخبر بأن المصدر هو الكويت، سأل صدام ما إذا كانت هيئة محايدة وقانونية قد سألت الكويت عن أسباب وصولها إلى تلك النتيجة، وقال إنه لم يسأل «أحد» الكويت عن تفاصيل تحقيقاتهم في تلك المسألة. وتساءل صدام مرة أخرى عن وجود دليل يدعم افتراضات الكويت.
وأعاد صدام المعلومات التي ذكرت في استجواب سابق والتي تفيد بأن «الكويت هي العراق». ووفقا لصدام فإن الكويت قد «سرقت» من العراق بموجب قرار بريطاني.. وأضاف أنه إن لم تكن الكويت دولة نفطية فإنها لم تكن «لتسرق».
وقال صدام إن غطرسة الحكام الكويتيين تجعلهم «أغبياء»، وجعلتهم يشنون الحرب. كما أنه أضاف بعد ذلك أنه يستطيع فهم أن تريد الولايات المتحدة التي تقع على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي أن يصبح العراق دولة فقيرة، إلا أنه لا يستطيع فهم السبب الذي يجعل الكويت ترغب في أن تجاور «دولة تتضور جوعا».
وأكد صدام أنه لا يقول إن الكويت ليس لديها الحق في إصدار مثل تلك التصريحات، ولكنه تساءل مرة أخرى عن هوية الهيئة المحايدة التي فحصت هذه المسألة وما إذا كانت قد ناقشتها مع العراق، ويعتقد صدام أنه كان يجب تشكيل شيء مماثل للمحكمة لسماع التفاصيل من كلا الجانبين ولاتخاذ قرار بشأنها. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. وقال صدام إنه قبل الحرب الأخيرة، قال المسؤولون الأميركيون إنه سيتم شطب كل الديون العراقية بما فيها الديون التي يدين بها إلى الكويت. وفي رأي صدام، فإن ذلك يثبت أن «أي قدر من المال ندين به للكويت لم يكن مسألة قانونية» بل كان مسألة «سياسية».. وأضاف أن تلك السياسة كانت تنتهجها الولايات المتحدة وليست الأمم المتحدة أو الكويت أو أي كيان آخر. وقد أخبر المحقق صدام بأن الكويت لم تطلب أي تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها خلال الغزو والاحتلال العراقي لها، إلا أنها طلبت استعادة الـ605 أسرى حرب.
وحتى اليوم، لم يعد هؤلاء الأسرى، وقال صدام إن هؤلاء الكويتيين لم يتم «أسرهم»، وإنهم مفقودون كما هو محدد في قرار الأمم المتحدة، وقال إن هناك «العديد من القصص والروايات التي أحيكت» حول تلك القضية، مثل تلك التي أحيكت حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، فقد تم إثبات أن اتهامات الكويت بوجود أسرى حرب لها عندنا ليست صحيحة، وهو ما يماثل أسلحة الدمار الشامل.
وأضاف صدام أنه عادة ما يصبح الأشخاص «مفقودين» في الحرب، واستشهد بجندي التحالف الذي لا يزال مفقودا من حرب الخليج الأولى وآلاف العراقيين والإيرانيين المفقودين من الحرب بين الدولتين.
وبالنسبة للـ605 كويتيين، قال صدام إن الكويت تعرف مصيرهم، وأنكر علمه بوجود 605 كويتيين معتقلين في ظروف غير ظروف القتال بعد الغزو العراقي للكويت. كما أقر صدام بأن عزيز صالح النعمان كان حاكما للكويت خلال الاحتلال العراقي، وهو منصب كان يشغله علي حسن المجيد في ذلك الوقت، وأنه كان خاضعا مباشرة لوزير الداخلية العراقي، وقد تم تحديد مهام النعمان كحاكم لاحقا في القوانين المحلية العراقية، ولا يتذكر صدام إذا ما كان قد عين النعمان بنفسه أو أنه تم تعيينه بموجب مرسوم أصدره مجلس قيادة الثورة في العراق.
ففي العراق يحدد الدستور مقدما سلطة مجلس قيادة الثورة وسلطة الرئيس الذي هو أيضا رئيس مجلس قيادة الثورة. كما أن بعض التعيينات الحكومية مثل تلك التي تمنح لبعض المسؤولين البارزين في الجيش والقضاة والمدراء العامين تعتمد على توجيهات «رئاسية».
وأوضح صدام أن النظام العراقي لا يمنع الرئيس من ترشيح اسم للتعيين، طالبا من المجلس أن يقدم رأيه في ذلك الترشيح، فالقرارات في العراق يوقعها الرئيس، كما أن له الحق في استشارة أو عدم استشارة أحد. وقال صدام إن «طريقته» كانت أن يستشير دائما الآخرين عندما يأتي وقت اتخاذ القرار؛ فكان يتم تعيين الحكام وفقا لتوجيهات «رئاسية». ولكن صدام لا يتذكر ما إذا كان قد ناقش مسألة تعيين النعمان مع المجلس أم لا.
وعندما سئل بشأن استخدام العراق للكويتيين واليابانيين والغربيين كدروع بشرية خلال حرب الخليج الأولى بما في ذلك وضعهم في مواقع رئيسية مثل مراكز الاتصالات والمواقع العسكرية، أنكر صدام أن يكون قد تم وضع الأفراد في مواقع عسكرية عراقية. وأضاف أن الحكومة العراقية لم تكن تمنع الأفراد من التطوع كدروع بشرية لحماية الهيئات مثل مراكز الاتصالات.. وعندما سئل عما إذا كان هناك متطوعون في عام 1991 أجاب صدام «لا أتذكر».
وقد قرأ المترجم على صدام خطابا من الحكومة العراقية أصدره قصي صدام يتعلق باستخدام السجناء الكويتيين كدروع بشرية، فأجاب صدام بأنه ليس لديه معلومات حول ذلك الخطاب، وعندما أخبر صدام بأن الخطاب حصلت عليه القوات الأميركية من أحد مباني الحكومة العراقية وأن الخطاب يبدو قانونيا، أجاب صدام «لقد أجبت».
وتساءل صدام عما إذا كان هؤلاء الأسرى المذكورون في ذلك الخطاب قد سئلوا حول اعتقالهم في العراق أو استخدامهم كدروع بشرية. وقال صدام إن العراق أطلق سراح جميع الأسرى الكويتيين، وبعد أن أخبر بأن الخطاب يرجع تاريخه إلى 14 مارس (آذار) 2003 أجاب: «إنه تزييف. فذلك مستحيل». واقترح أن يتم فحص الخطاب بعناية لتحديد أصالته، وأضاف أنه كان يعتقد أن تاريخ الخطاب يرجع إلى 1991.
وذكر صدام أنه إذا كان تاريخ الخطاب هو 2003، فهو مزيف، مضيفا أن العراق لم يكن لديه أسرى في ذلك الوقت، وقال صدام إن قصي لم يكن ذلك النوع من الأشخاص الذي «يفعل مثل تلك الأمور». وكرر مرة أخرى أنه يجب على الخبراء في الولايات المتحدة والعراق فحص ذلك الخطاب لبحث مدى موثوقيته.
وفيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والسبب الذي لم يجعل العراق يستخدمها في حرب الخليج الأولى، أجاب صدام بأنه سئل ذلك السؤال قبل ذلك وبأنه قد أجاب. وعندما أخبره المحقق بأنه لم يسأله ذلك السؤال من قبل، أجاب صدام بأنه يرى من الغريب أن يسأله المحقق أو أي شخص آخر ذلك السؤال، ليس فقط في ذلك الوقت بل في أي وقت آخر. وأضاف أنه ليس من سياسات العراق استخدام الأسلحة الكيميائية ضد قوات التحالف، وقال صدام إن ذلك من أجل التاريخ وليس افتراضات غير واقعية. وتساءل: كيف كان سيوصف العراق إذا كان قد استخدم الأسلحة الكيميائية، وأجاب عن السؤال الذي طرحه «كانوا سوف يصفوننا بالأغبياء». ووفقا لصدام فإن المسؤولين العراقيين لم يتناقشوا أبدا حول الأسلحة الكيميائية واستخدامها قبل أو خلال حرب 1991.
وكما هو مذكور في حوار سابق، فقد أقر صدام بحدوث لقاء في يناير (كانون الثاني) 1991 قبل الحرب مباشرة بين وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز. ويتذكر صدام عبارة قالها بيكر «سوف نجعل العراق يعود إلى عصر ما قبل الصناعة». وقال إن العراق لم يكن تخيفه التهديدات خاصة عندما تأتي من «موقع قوي». وأنكر صدام معرفته بذلك الجزء من المناقشة الذي يتعلق بموقف الولايات المتحدة فيما يتعلق باحتمالية استخدام العراق للأسلحة الكيميائية حال تعرضها لاعتداءات. ووفقا لصدام «فقد اتخذنا القرار الصائب». وأضاف أن استخدام الأسلحة الكيميائية «لم يخطر على بالنا».
وقال صدام إن وزير الدفاع العراقي سلطان هاشم وقائد الفيلق الثاني (صالح) كانا يمثلان العراق في مباحثات وقف إطلاق النار خلال حرب الخليج الأولى. وإن مواقفهم ورؤاهم كانت مماثلة لمواقف القيادة العراقية فيما يتعلق بتأمين وقف إطلاق النار وبدء انسحاب القوات الأجنبية من العراق. وقال صدام إن العراق لم يكن يستهدف استمرار الحرب وكان يرغب في وقف إطلاق النار. وعند سؤاله حول العناصر التي ناقشها العراق في مباحثات وقف إطلاق النار في 1991 قال صدام إنه لا يتذكر أي طلبات عراقية إضافية عدا انسحاب القوات الأجنبية من أراضيهم. وفي رأي صدام، فإن القتال كان ليستمر بدون ذلك الانسحاب، وأنكر معرفته بأن العراق طلب وتلقى إذنا باستمرار طيران الطائرات المروحية. كما أنكر معرفته بالغرض من مثل ذلك الطلب العراقي.
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ 14 ـ 13 (آذار) 2004
في أعقاب وقف إطلاق النار عام 1991، أشار صدام إلى أن هدف القيادة العراقية كان إعادة بناء البنية التحتية العراقية التي دمرت أثناء الحرب. وتضمن ذلك إعادة صياغة برامج زراعية واقتصادية. وقال صدام إن العراق أعاد بناء «كل شيء تقريبا» وشرع في تنفيذ برامج جديدة في قطاعات الزراعة والتعليم والصحة. إلا أن الجهود العراقية أعيقت جراء العقوبات المفروضة على البلاد، التي أثرت على نحو خاص على قطاعي الصحة والتعليم. عندما تم لفت انتباه صدام إلى حدوث العديد من التغييرات في الحكومة العراقية خلال تلك الفترة، بينها تعيين أفراد في مناصب جديدة، أكد صدام أن «هذا أمر طبيعي». من وجهة نظره، تعد هذه التغييرات حدثا «عاديا» ليس في العراق فحسب، وإنما دول أخرى مثل الولايات المتحدة. من بين تلك التعيينات الجديدة تعيين عبد حمود سكرتيرا شخصيا لصدام ليحل بذلك محل السكرتير السابق الذي تم تعيينه وزيرا للتعليم. وأشار صدام إلى حمود باعتباره «رفيقا كبيرا لي» عمل كعضو من أعضاء مجموعة مرافقي الرئيس والمكلفين بحمايته. وتمثل مسؤول آخر في طارق عزيز الذي عين نائبا لرئيس الوزراء. ووصف صدام عزيز بأنه أحد أوائل أعضاء مجلس قيادة الثورة. من وجهة نظر صدام، فإن عزيز «لم يكسب أي شيء من وراء هذا التعيين». وقال صدام إنه أخبر القيادة العراقية أنه (صدام) إذا تقلد كذلك لقب رئيس الوزراء، فإنه سيكون بحاجة لمعاونة آخرين. وعليه، تم تعيين عزيز وطه ياسين رمضان نائبين لرئيس الوزراء. أوضح صدام أن مهام السكرتير الشخصي تتضمن تنظيم جدول أعمال الشخص الذي يعمل لحسابه.
ويجب أن يتحلى السكرتير بالدقة في تنفيذ مهامه. وجاء اختيار صدام لحمود سكرتيرا شخصيا له لأنه «كان مناسبا للمنصب». وأضاف صدام أن ذلك كان اختياره ولا يحمل الأمر بوجه عام أهمية تاريخية. وذكر مجددا أن حمود عمل في مجموعة الحماية والمرافقين له، وأن كلا المجموعتين تضمنتا أقارب صدام. في بداية الثورة، كان من بين أقاربه واحد فقط يتقلد منصبا سياسيا في الحكومة. في ذلك الوقت، اتسم أقارب صدام بتعليمهم المحدود وعملوا بصورة رئيسية في الجيش والقطاعات العسكرية الأخرى. أوضح صدام أن أعضاء مجموعة الحماية المعنية به لم تمل بالضرورة تفاصيل تحركاته. وأشار إلى أنه في بعض الأحيان عمد إلى تلقينهم سبل تحسين أدائهم وتعزيز نجاحاتهم. وقال إنه كان في بعض الأحيان يمازحهم بالقول إنه قادر على الاضطلاع بمهامهم على نحو أفضل. وأعرب صدام عن اعتقاده بأنه من المهم ألا يتسم أعضاء القوة المحيطة به بـ«الخشونة» عندما «يخالط» صدام أفراد الشعب. وقال إن هذه القوة كانت ستصبح فاشلة في عملها إذا ما عمدت إلى «عزله» عن حشود الجماهير. وأضاف أنه من المهم كذلك أن يبدل أعضاء هذه القوة سلوكهم ومهامهم بما يتوافق مع طبيعة صدام. وكدليل آخر على قدرته على التلقين والتعليم، أكد صدام، أنه إذا طلب منه ذلك، فإن باستطاعته تقديم المشورة فيما يتعلق بمهام المحقق. وعندما سئل عن مزيد من الشرح لهذا الأمر، قال: «إن الطبيب لا يطارد الناس ليسألهم ما الذي يؤلمهم. وإنما هم من يفدون إليه». وشدد صدام على أن الأمر الأهم هو إمعان النظر في المنصب الذي يتولاه المرء، سواء كان منصبا يعنى بالتنفيذ أو التخطيط، من أجل تحديد السبيل المثلى للاضطلاع بالمهام المرتبطة به. وشرح أن الشخص المسؤول عن تنفيذ الأوامر يجب أن يكون دقيقا وسريعا، بينما يجب على من يتولى الإشراف السماح لمن هم دونه بتفعيل روح المبادرة بداخلهم. إلا أنه نوه بأن «هامش المبادرة» يختلف بين المواقف المدنية والعسكرية. وقال صدام «الأعين في الميدان تختلف عن تلك داخل مقر القيادة»، مستطردا بأن «أعين الميدان» غالبا ما تتسم بدقة أكبر في تفهم موقف معين عن الأخرى الموجودة بمقر القيادة. فيما يخص الصفات الشخصية التي رغب توافرها في من يعملون تحت إمرته، أوضح صدام أن «الإنسان ليس كالبضاعة». ربما يعتقد المرء أن شخصا ما مناسبا لمنصب معين ليكتشف لاحقا أنه يفتقر إلى الصفات المطلوبة. ورأى صدام أن موقفا معينا قد يتطلب انتقاء فرد محدد، رغم أنه في ظل الظروف العادية ربما لا يجري النظر إلى هذا الشخص باعتباره الاختيار الأمثل. وينطبق هذا القول بوجه خاص في إطار اختيار الشخص المناسب لتنفيذ عمليات عسكرية. وأوضح صدام أن اختيار أو عزل الأفراد فيما يتعلق بمناصب عسكرية أو حكومية معينة غالبا ما يتضمن دراسة وجهات نظر أسرة هذا الشخص أو عشيرته. ويتمثل عامل آخر في دراسة مدى قوة شعوره بالهوية العراقية و«الفردية». ورغم أن موقفا ما ربما يستدعي عزل عراقي من منصبه، يجب على القائد دراسة كيف سيجري النظر إلى هذا العزل. على سبيل المثال، ربما يثير أقارب شخص تم عزله من منصبه التساؤلات حول شخصيته. وقد يتساءل البعض «مرارا وتكرارا» لماذا تم فصل هذا الشخص من منصبه. وربما يتساءل آخرون «هل كان جبانا؟» وقد تثار تلك التساؤلات حتى عندما يقرر شخص ما التقاعد في ظل ظروف عادية. وربما يساور أسر هؤلاء الأفراد شعور بأن سمعتهم «تلطخت». وفي ظل بعض الظروف، قد تثير مثل هذه الإجراءات كراهية تلك الأسر تجاه الحكومة. وشرح صدام أنه نظرا للحاجة إلى دراسة هذه المشاعر والتوجهات، غالبا ما تشعر القيادات العسكرية والحكومية بقيود على قدراتها على إجراء تغييرات في الأفراد، حتى وإن كانت ضرورية. وعندما سئل عن الانتفاضات التي أشارت تقارير عديدة لاندلاعها في جنوب العراق بعد حرب عام 1991، ادعى صدام أنه لم يرد لمسامعه شيء عن هذا الأمر.
وعندما تم توضيح أن الكثير من المقابلات والتقارير وثقت هذه الانتفاضات، تساءل صدام «ألم ننته من مناقشة هذا الأمر؟» إلا أنه استطرد قائلا إنه في غضون يوم واحد من وقف إطلاق النار عام 1991، شرعت «بعض العناصر» في تنفيذ عمليات تخريبية في المدن العراقية الجنوبية، البصرة والناصرية والعمارة. وفي وقت لاحق، انتشرت تلك الأنشطة إلى مدن شمالية، السليمانية وأربيل وكركوك. وقال صدام إن الجماعات التي نفذت مثل تلك العمليات «مدفوعة من إيران»، موضحا أن العراق ألقى القبض على 68 ضابط استخبارات إيرانيا تمت مبادلتهم لاحقا مقابل أسرى عراقيين.
خلال وقت اندلاع الانتفاضات، كانت غالبية الجسور في العراق تهدمت بالفعل. وانقطعت إمدادات الكهرباء. وكانت خدمة توفير المياه متقطعة، والإمدادات الغذائية محدودة للغاية. في أعقاب الحرب، أسهمت هذه العوامل في حدوث قلاقل عامة بالبلاد. وأشار صدام إلى أن «العناصر» التي شاركت في الانتفاضات كانت مزيجا من لصوص ومتمردين و«أولئك الوافدين من إيران». وتضمنت المجموعة الأخيرة أشخاصا يعملون لحساب الحكومة الإيرانية، وعراقيين من أصول إيرانية، وعراقيين «هربوا» إلى إيران.
وكان من الصعب تحديد جنسية هؤلاء الأشخاص بصورة مؤكدة لتعمد الكثيرين منهم التخلص من وثائق المواطنة الخاصة بهم. وأكد صدام أنه في أعقاب اتخاذه قرارا بإعادة التأكيد على سيطرة الحكومة على البلاد، أعطت القيادة العراقية المنطقة الجنوبية من البلاد أولوية كبرى. وكانت تلك هي المنطقة التي واجهت فيها القوات العراقية وحاربت عناصر تنتمي بصورة أساسية لإيران. وبعد استعادة النظام إلى جنوب العراق، ركزت القوات الحكومية على المنطقة الشمالية حيث جابهت مقاومة هزيلة، وأحيانا لم تجد أية مقاومة. واستمرت أعمال القتال بشمال وجنوب العراق طيلة أسبوعين تقريبا. وقال صدام: «نصرنا الله». وأضاف أنه منذ ذلك الحين، استمرت إيران في تسريب مجموعات يتراوح عدد أفرادها بين عشرة وخمسة عشر شخصا إلى داخل الأراضي العراقية لتنفيذ عمليات ضد الحكومة. إلا أن جهود هؤلاء الأفراد أحبطت في معظمها على يد السكان المحليين. في نهاية الأمر، في أعقاب إبرام اتفاق بين العراق وإيران، توقفت هذه العمليات العدائية. وصف صدام انتفاضة عام 1991 بأنها نشاطات تمرد قام بها «خارجون على القانون ولصوص». ورفض صدام اعتبار المتمردين ثوريين. وعندما سئل عن ماهية العوامل التي سمحت بوقوع مثل هذه الاضطرابات، أجاب صدام بأنها الدعم الإيراني وضعف الحكومة العراقية بعد الحرب والمساعدة المحتملة من قبل قوات التحالف. ونوه صدام بأن جميع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الشرطة والمؤسسة العسكرية، أصابها الوهن جراء الحرب. لكنها تمكنت في نهاية الأمر من التغلب على المتمردين. وطبقا لما صرح به صدام، فإن «سيف» المؤسسة العسكرية العراقية «ازداد طولا». إلا أنه اعترف بأن الضعف الذي ألم بالمؤسسة العسكرية العراقية يشكل العامل الرئيس الذي أسهم في حدوث تلك الفوضى من الأساس. وأعرب صدام عن اعتقاده بأن الهدف وراء نشاطات التمرد كان السيطرة على العراق. ومن وجهة نظره، فإن هذا التكتيك جرى استخدامه عام 1991 بعد عجز إيران عن إنجاز هدفها خلال حربها الأخيرة ضد العراق. رغبت إيران في السيطرة على كل، أو على الأقل جزء من العراق، خاصة الجزء الجنوبي. وأبدى صدام قناعته أيضا بأن طهران رغبت في توسيع دائرة نفوذها إلى شرق السعودية ومنطقة الخليج بأكملها. من جانبه، خول مجلس قيادة الثورة للمحافظين سلطة السيطرة على المؤسسة العسكرية خلال فترة الانتفاضات لضمان حماية أبناء محافظاتهم وإعادة إقرار الأمن «والحياة الطبيعية». وبات أمن الشعب والبلاد مهددا جراء انتشار أعمال القتل والسرقة وحرق المباني والتدمير العام، لكن تمت في النهاية السيطرة على كل ذلك. ونفى صدام علمه بالأساليب التي لجأ إليها المحافظون والقوات العسكرية لإعادة فرض السيطرة. وقال «لقد تم تخويلهم السلطة اللازمة، وقاموا باستغلالها». في ذلك الوقت، لم يسأل صدام عن معلومات مفصلة حول العملية، لكنه طلب وتلقى بالفعل تقارير عن الوضع العام فيما يخص مدى التقدم الذي تحرزه العمليات. فيما يتعلق بالقيود التي فرضتها القيادة على القوات العسكرية خلال تلك الفترة، تساءل صدام «ماذا تعني بقيود؟» وأنكر صدام اندراج هذا الموقف في نطاق معاهدة جنيف، مشددا على أنها تنطبق على الحروب فحسب.
وادعى صدام بأنه فيما يخص الصراعات الداخلية، تنطبق معاهدة جنيف فقط حال وجود قوة تحتل دولة أخرى. وأضاف أن معاهدة جنيف تنطبق على محاولات الانقلاب أو القلاقل الداخلية التي تتضمن جرائم مثل الحرق والنهب. من جهته، أوضح المحقق أن القانون الدولي لا يجيز استهداف المدنيين حتى عندما يكون موقع هدف عملية عسكرية ما مأهولا بمدنيين، وأن قوانين إنسانية معينة تنطبق كذلك على هذا الوضع. وعندما سئل مجددا حول طبيعة القيود التي فرضت على القوات العسكرية العراقية في تعاملها مع انتفاضات عام 1991، أجاب صدام بأن كل عراقي، سواء كان مدنيا أو عسكريا، يعي جيدا ما هو السلوك الإنساني المقبول، وليست هناك حاجة لمن يملي عليهم كيفية التصرف. وأعلن صدام «أتحمل مسؤولية ما قررته». وأضاف أنه غير مسؤول عن كيف تصرف عراقي ما. وادعى أنه إذا ما رغب أحد العراقيين في استغلاله (صدام) كذريعة لتبرير أفعاله، فإنه سيقبل هذا الأمر طالما أنه لا يسيء إلى سمعته. ومن وجهة نظر صدام، يتحمل القائد المسؤولية عن أفعال من تحت إمرته إذا ما نما إلى علمه أفعال من يخضعون لقيادته، وعليه مواجهة هذا الشخص بما اقترفه من أخطاء. وقال إن كل فرد يجري الحكم عليه اعتمادا على قانونه ودستوره الخاص.
ـ محضر جلسة الاستجواب الـ15 ـ 16 (آذار) 2004
* قبل بدء التحقيق، قيل لصدام حسين إن مناقشة اليوم سوف تكون استكمالا للحديث السابق عن الاضطرابات أو الانتفاضات التي وقعت جنوبي العراق عام 1991 بعد حرب الخليج. وقال صدام إنه علم بتفاصيل الوضع في جنوبي العراق بالطريقة نفسها التي تحدث مع رؤساء الدول. وأشار إلى أنه عندما كانت تواجه القيادة العراقية وضعا ما، كانت تجتمع وتتشاور «سريعا» للوصول إلى الطريقة المثلى لمواجهة هذا الوضع. وقال صدام إنه في البداية فإن من قاموا بالتصرفات التي ظهرت خلال انتفاضات جنوبي العراق كانوا بين «هؤلاء الذي عبروا الحدود من إيران». وهناك آخرون من العراق قاموا بأفعال مشابهة، والبعض لم يكن مشاركا في أية أحداث.
ويرى صدام أنه لو كان رد فعل الحكومة العراقية على هذه التصرفات بطيئا وضعيفا، لربما أبدى أشخاص تعاطفا وساعدوا المشاركين في الانتفاضات. ومن دون رد فعل كهذا، ربما تصرف البعض بدافع الخوف والظن بأن هؤلاء الذين تسببوا في الاضطرابات سوف يحوزون السلطة في نهاية المطاف ويسيطرون على الحكومة داخل العراق. أضف إلى ذلك، أنه كان هناك أشخاص آخرون وصفهم صدام بأنهم «لصوص طماعون» ربما شاركوا في الانتفاضات. وأكد صدام أنه كان يجب على الحكومة العراقية مواجهة هؤلاء الأفراد الذين شاركوا في الانتفاضات، وقال إنه على الرغم من أن «أجنحة السلطات كانت مشتتة» بسبب حرب 1991، فقد قامت الحكومة العراقية بـ«إلقاء القبض عليهم وضربت العدو». وأضاف أن هؤلاء الذين لا يردعهم الكلام يردعهم السلاح. وطلبت القيادة العراقية من الجيش أن يجمع أكبر قدر ممكن من القوات لمواجهة «الخيانة» وللتعامل مع الاضطرابات. ويقر صدام بأن أحداث النهب من قبل أفراد معينين «اختلطت» بتصرفات هؤلاء المشاركين في الانتفاضات. وبالنسبة لقرار وضع أفراد محددين مسؤولين عن مناطق في جنوبي العراق في هذه الفترة وعن الأدوار التي كلفوا بها، قال صدام: «قلت إن قرارنا كان هو مواجهة وإلحاق الهزيمة بالعدو». وكان يجب تقديم المشاركين في الانتفاضات «للمحاكمة»، إن لم يكن بالكلمة فبالسلاح. وقال صدام إنه لم تكن هناك حاجة إلى نقاش طويل في هذا الموضوع.
وكان الأفراد الذين عبروا الحدود من إيران أعضاء في حزب الدعوة، وساعدتهم قوات إيرانية أخرى. وقام هؤلاء سويا بالقتل والحرق والنهب وارتكبوا جرائم أخرى. وحسب ما قاله صدام، لا يحتاج أحد إلى السؤال عن الإجراءات التي يجب أن تتخذ عند مواجهة مثل هذا الموقف. ولكن الإجراءات كانت تملي أن تجتمع القيادة العراقية لمناقشة الأمر، وكان لجميع أفراد القيادة العراقية الرأي نفسه حول رد فعل الحكومة العراقية اللازم للتعامل مع الوضع. وعندما سئل عن الطريقة التي كانت تصل بها المعلومات إليه حول أحداث جنوبي العراق وردود الأفعال التالية من جانب القوات الحكومية العراقية، رد صدام بسؤال: «في دولة صغيرة مثل العراق، هل ممكن ألا نعرف ماذا يحدث؟». وأضاف أن الشعب بالكامل في جنوبي العراق بدأ في الهجرة إلى بغداد خلال هذه الفترة. و«انقطعت» المعلومات الواردة من أحد القادة العراقيين في الجنوب، وهو علي حسن المجيد وأنه تبين بعد فترة وجيزة أن المجيد «يقاوم» في البصرة. وعندما سئل عن صحة التقارير التي قالت بأن المجيد وقع في مصيدة بالفعل داخل البصرة في ذلك الوقت، رد صدام: «في الماضي، لم يكن العراقيون يحترمون القانون أو السلطة». وعندما كانوا يدعون إلى الخدمة العسكرية، لم يكن العراقيون يلبون النداء. وعندما يدعون «للتحقيق» لم يكن يستجيب العراقيون بصورة عامة إلى ذلك. وقال صدام إن القانون الوطني كان مبدأ جديدا نسبيا خلال هذه الفترة. وعلى الرغم من أن معظم العراقيين كانوا عربا، فإنهم لم يكونوا معتادين على أن يحكمهم عربي: الملك فيصل في ذلك الوقت، فقد وضعه البريطانيون في السلطة. وكان عدم الاكتراث بالقانون منتشرا في المناطق الريفية آنذاك. وبعد ذلك أورد صدام تفاصيل قصة عن أب يسمى ماضي عبيد وابنه، وكان الاثنان مطلوبين لدى الحكومة. ونتيجة لعملية قامت بها الشرطة، تم أسر عبيد واستجوابه لمعرفة الأماكن التي يتردد عليها ابنه. وأجاب عبيد: «لا أبناء لدي». وسألته الشرطة: «هل أنت ماضي؟»، فرد عبيد: «لا أنا فاضي»، فصفع رجال الشرطة عبيد وقالوا له: «أنت ماضي».
فقال عبيد: «إذا كانت الحكومة تقول إنني ماضي، فأنا ماضي». وأنهى صدام مناقشة وضع المجيد في البصرة قائلا: «سمعتم ما سمعتموه، وأنا سمعت ما سمعته». وقال صدام إن التهديد للحكومة العراقية عام 1991، كان موجودا في شمالي وجنوبي العراق. وكانت هناك محاولة لانتفاضة داخل بغداد. وأشار صدام إلى أنه يرى أن هؤلاء «الذين يؤخرون اتخاذ القرارات» انضموا إلى الانتفاضات بعد أن رأوا مراكز الشرطة ومكاتب الحكومة تهاجَم من دون مقاومة من السلطات. وعندما استعادت الحكومة العراقية السيطرة، ذهب «العدو» إلى منطقة أخرى أو عزز من وضعه في منطقة قديمة. وقال صدام إن قوة الجيش العراقي زادت بمرور الوقت و«بدأت الدائرة تضيق حول العدو».
وأشار صدام إلى أن الفترة السابقة من غياب حكم القانون التي ناقشها، خلال فترة «ماضي»، كانت في العشرينات من القرن الماضي. وأضاف أن وضع العراقيين تغير تماما خلال الأعوام الـ35 الماضية التي كانت تحت حكم حزب البعث. وفي رأي صدام، فإنه مع وجود حزب سياسي في أنحاء العراق كافة، أصبح الشعب العراقي يؤمن بأجندة الحكومة وكان لديه إيمان في قيادته وكان أكثر انضباطا من أي وقت مضى. وأدى ذلك إلى تحسن في الوضع داخل العراق، لا سيما من ناحية الاقتصاد. وقال صدام إنه لم يكن هناك «شخص فقير» في العراق خلال الثمانينات. وكانت «تتم رعاية» الأرامل والأيتام وكبار السن و«توفير الأمن لهم». وكانت المنتجات التجارية غير مرتفعة الثمن نسبيا.
ولكن، تلاشى أسلوب الحياة هذا داخل العراق خلال الحرب. وقال صدام: «الحصار هو الحصار». وبعد التراجع في الاقتصاد، كان الموظفون والمواطنون العراقيون بصورة عامة أقل انضباطا. ولكن، لم يتغير ولاؤهم. ويقر صدام بأن العراق كان في طريقه كي يكون قويا اقتصاديا في مطلع الثمانينات، وأضاف أن جميع الأشياء الإيجابية في العراق كانت من صنع القيادة العراقية. وأشار صدام إلى أن الوضع الاقتصادي تدهور بصورة كارثية خلال الثمانينات، ويتفق على أن التراجع في الاقتصاد العراقي في هذه الفترة وحرب الخليج التي تلت عام 1991، التي أدت إلى حصار وعمليات تفتيش من جانب الأمم المتحدة قوض القوة الاقتصادية للبلاد. وقال إن هذا التراجع شعر به الشعب العراقي، لا سيما هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الريفية وذوي الدخل المنخفض مثل من يعيشون في جنوبي العراق.
وأضاف صدام أن المناطق الوسطى والشمالية من العراق تضررت أيضا. وقال صدام إن القاعدة العامة هي أن ضغوط الفقر يمكن أن تؤدي بدرجة كبيرة إلى ضغوط على المجتمع وربما تفضي إلى ثورة. ولكنه ساق كثيرا من الأمثلة للمواقف التي وقعت فيها ثورات في العراق ودول أخرى في العالم العربي ولم تكن بسبب الظروف الاقتصادية. وقال إن أعمال التمرد التي لا توجد لها أجندة سياسية مثل تلك التي ظهرت في التسعينات ليست ثورات. وأشار المحقق إلى أن كثيرا من المنظمات الإنسانية وغير الحكومية المحايدة أجرت تحقيقات عن تصرفات الجيش العراقي خلال انتفاضات 1991. وأجرت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، وهي منظمة محايدة غير ربحية ولا ترتبط بأي حكومة، واحدا من هذه التحقيقات، وأوردت تفاصيل عما قام به الجيش العراقي.
وقرأ المحقق على صدام مقابلة أجرتها «هيومان رايتس ووتش» مع أحد سكان البصرة شاهد أحد هذه الأحداث في 1991. وقال الرجل إنه رأي طابورا من الدبابات العراقية تقترب من البصرة. وكانت الدبابة التي في الأمام بها ثلاثة أطفال مربوطين في مقدمتها وأجبروا على الاستخدام كدروع بشرية. وعندما سئل عن علمه بتصرفات الجيش العراقي هذه عام 1991، قال صدام إنه على الرغم من اعتقاده بأن هذه المعلومات لا تستحق الرد، فإنه سوف يجيب لصالح المحقق. وقال: «هذه كذبة». وأضاف أن في العراق كل طفل لديه أب وأم وعائلة. ولا يوجد في العراق «أيتام يمشون في الشوارع». وبالنسبة لهؤلاء الأطفال الثلاثة، تساءل صدام: «أين كان آباؤهم؟» وتساءل لماذا يقبل المحقق القول بأن قائد الدبابات تصرف بصورة غير مسؤولة. وتساءل أيضا لماذا كان سينظر إلى أسلوب استخدام الأطفال كدروع بشرية على أنها وسيلة فعالة ضد هؤلاء الذين كان يقومون بالفعل بالقتل والنهب والحرق. وأشار إلى أن قصة استخدام الأطفال بهذه الطريقة اختلقها غربيون. وأكد على أن القصة لا تستحق إجابة منه و«الكذبة واضحة»




