بقلم محمود يوسف التل:
أين أنت أيها المستشرق؟... (الألماني)... وما سر عشقك للمكان..؟ وأنت توثق بلقطه... (فوتوغرافيه)... خِلسة ...مروج إربد... قبل 120 عام... تلُها لواح ... بَركتُها ...مسجدها المملوكي( المسجد الغربي) ..مُؤنِسها.. ديوان أجدادي.. ال التل.. نعم ... هذا ظاهر المكان ...ويآ لهذه اللقطة (المُختلسة)... مُحيآها ..ذاكره وطن.. وعَروسُه شمالية..
هذا إرثي وموروثي.. من إربد.. حنين مُلتهب.. مجالسهم (العلم نور).. احاسيسهم معانٍ صداها يتجآذب بين مدآميك أهل الصفاء والوفاء في بيتنا..بيت..( العيلة) الكبيرة... اليوم أتيت على غير عادتي... نداء خفي بُثَ من أعماقه... عبر أثير مَيّزتُ لحنهُ الشجي... نِعْم (السلف)... حال هبت نسائمهم.. ففهمتُ المقصد...
( عتاآآب) فقلت أقصد محتاطاً بأيآت قرآنية... ومفردات و نوتات غزلية... عساني أُنهي (العتاب)... مع العاتب.. البيت المضياف... مضافَتُنا... بهاءُ المُحيا.. وجنات بوابته المنسابه عرضاً وشموخاً... مداميكها... ( مَشَدْ إيقاعي).. لمعنى فن التراث المعماري... يآ للجمال...! بالله سميت... بَصِرتُ تتويجة علت جبهتها آية ربانية..
(إنا فتحنا لك فتحا مبينا - ربي أنزلني منزلاً مباركاً و أنت خير المنزلين) ورونقاً حجري يحمل على كاهله ثقل السنين الماضيه... والحاضره...والقادمه بتعبير رقمي(في صفر الخير 1327 هجري ) فما أصبره ..في هذه اللحظات... سمعت نداء متردد يدعوني للولوج ... للبيت... والسلام القيت ..حُييت... بدت لي وجنات (البيت الديواني) تتفتح ...قُلت... أغريب أنا... هُنا...أُجبتُ... لأنك قريب... سأبوحُ لك بسري وخصوصيتي بين أقراني...أيها الحبيب....ياللثقة ..فهمت مغزى المنطوق... تركني... وإحساسي أنه يراقبني... ولسان حاله... يقول: أتنصِفَني؟ ... ولآ عتاب بعدها...
فأخذتني خُطاي الى صحن البيت... يا لهذا الصحن كم شهد من أطباق وما زالت... طابت هنيئاً مريئاً في أفواه ذاك السائل وهذا المحروم ...(هنيئاً لمن كسب ووهب) ثم جُلْتُ بنظري مرافق الديوان... سميت بالله... وأقبلتُ صوب غرفة الخلوة...( المضافة الأم)... جلستُ في إحدى زواياها رآقت لي جلستها
حال غَردت مداميكها( البآزلتية)... طابعاً حوراني... حسستني بعقوق مفتعل عاشته...قلت ما الأمر... تنفسنا الصعداء... يا حفيد... لم افهم... سقط القناع ...اي قناع...؟ اه... (الصفح الأسمنتي) نعم ....نحن اليوم أجمل...( مرآة الماضي)... فناً تراثياً معمارياً... نبض الأجداد و أنفاس الأباء..
تبسمت وإحساسي مرهف بما أُحاطُ به... أخذتني نظرة لا إرادية أمعنت بها... يالجمال هذه السقيفة... يا لِحنا نِها...وحناياها البرميلية... وتغريزاتها الجذابة.. ياللغيرة.. وطاقتها الوضاءة... غمزتني... (غمزة تَحرُرِية)...
توحي بأمانتها وحفظ أسرار خُلوتِها..( شو سر خلوتها..؟ - شو باشها..؟).. سياسة.. و ساسة.. و الهم العام ..فَقَبَلتُها عن بعد...فرمتني بِبَسمةِ.. نسمة... أدب المضيف للضيف..دَأْبُ الديوان وأهله...نَهضةُ مستأذناً..فُوجئتُ بمن يبآغتني معترضاً..عريض المنكبين لم أستطع التملص منه ..يآلهآ من جداريآت..سوار الساحة..أيقنتُ..فَنْصَبَ نظري إلى ستآره أُبَهة بنظآرتهآ..جمآلهآ..بخضره أورآقهآ..ورونقهآ بقدود أغصآنهآ..قرأتُ فيهآ بُعدين..أعمار الخلائِق تتساقطُ أوراقهآ..ويناعة أغصآنهآ الميآسة..شبآب ومستقبل..وكأن حُروفٌ حُفرت لذآك الجد.. وهذا العم ..وذاك الخآل..خَشعتُ بآية..وغآدرت ...
إزدآد شوقي للولوج لعين المكان..هيبة..بيت أجدآدي..الوقوف أمآم بوابته..متعة إجبآرية..(كأنها عدوة عِرآرية..ألا تذكرون)..عآبرهآ آمن..تجملهآ خرزآت بآزلتية تحرسها...(آآآه يآ إربد الخرزآت)..تآج ينآبيعهآ الصآفيه..صفآء الديوآن وأهله..أسآور وعِصَم.. خرزآتك منظومة بيتنآ العريق..ديوآننآ..ميرآث ورثنآه..ورضينآه..دخلت وتصدرت..يآلهذا الصدر مآ أرحبه..تنعنشت..دبيب وحرآك..نبض وأنفآس..صور خيآليه تترآقص أمآمي..تعبيرآت إيمآئية..خِلتُهآ أشخآص تعج في الديوان وتموج..جموع..جمآعآت..جآهآت..صُلحآت..أفرآح...أتراح..و ندوآت ومنآبر (حريآت)..يآآآ للديوآن صولجآن منفتح..وهآجسي يمضي بيّ ..إختصرت ونظرت..لذآك اﻷلبوم الصوري..فأدركت كُنه هذا الديوآن.ومآهيته..(رُحمآك ربي)..أخذتني قيلوله..تزآحمت الأحلام..صحوتُ..رآق لي جمآل الديوآن..فغنيت(يآزريف الطول..وهيبه ومقآم..يآ ظريف الطول..ومجمع الخلان) ..والبيت ﻻيبنى إلا له عِمَدٌ..وعُمَدُ البيت أهله..قآمات الرجآل..الرجآل.. ومآزآلت..هنآ هِجتُ بروعه الذوق العمرآني وكأني بالصيوآن..أبى أعمده تحمله إجلالاً لهيبة أهله..(عُمادُ أُمة)..أقوآسه الهلالية..قمطآته زُخْرُفية..تتوسطهآ ثُريآت وضآءة..يلملم نورهآ معنى الحنآن..(بيت العز..يابتنا على بآبك عنبتنا)..نبضآت إنسآنيه جِبلتها تُجير الجار..ومن إستجآر ..طآلت جولتي..ولم أنتهي..بعد..قلت ألتقط أنفآسي..معبراً..فأنشدتُ..(الله..الله.. يآجملون يآعشير الزمآني)..ﻵ أدري ما بي اليوم..إغرآءآت ذههلتني..يآسعدي..أنا الليله.. دلةُ القهوه..دآلتُها فآل خير..حمت حول مركزهآ..فنآجين..ومنقل..جمر..وملقط..(قصه وحكآيه)..مشهد..أولها هنيئا لهآ القُبُلات والرشفآت..مسعى لِفض الجلوآت و النزاعآت..تؤنس اﻵفرآح ..وعَروسةُ الليآلي الملاح..نكهة قهوة..كيف..ﻻ وهي المحبوبه السمرآء وتجلى بالفنآجيني..وثآنيهمآ ..حآظن الجمر بصدره لتبقى نآرنا وقآده ..وقهوتنا طيبه..(بلله صبوا هلقهوه وزيدوهآ هيل..إبشر..)..يآلمنقلنآ مآ أصبرك..ولقآط.المنقل..للجمر متولف..يدآديه ويذآريه..(منظومه عطرهآ فوآح (بديوآن الملاح).. ..يآه للوقت كَيف يمضي..ﻵ..أدري الآن إستهوآني التعب..على الموعد جآئني صاحبي..ربت ع كتفي..والصبآح ربآح..غدا نلتقي..
..
إستأذنتُهُ وغادرتُ وعشقي في خيالي (الديوان) إستيقظت.. أصبحنا و أصبح الملك
لله.. إستجبت.. يوم منهمرة سماؤه (اشتي وزيدي بيتنا حديدي).. تهيّأتُ للعودة.. وعلى الموعد استقبلني صديقي.. قبلني بحرقة.. لحظتُها سمعت لحناً يُطرب.. (هب الهوى يا ياسين يا هناء الحراثين).. قلت (جَخة)..فرحة بهطول المطر..ولجتُ الديوان.. طرحتُ السلام.. يا سلام تعال وتفرج.. جلسة حب.. جلسة حنان موسمية إعتادها أحباب الديوان.. أخذتُ مكاني.. (المجالس مدارس).. عفوية حوارية لذتها بمنطوقها.. حرث و حراثين حُصاد وزُراع ..(مِلحُ الأرض).. أولئك وأحبابها.. لهجات عامية.. متعةُ طيبة أصابع تلتف وتلف من (التتن والهيشي والحسمبشي) وأنفاس زفيرها وشهيقها (دخانٌ يعبق).. والشاطر يشم.. غُمامٌ متصاعد يضرب بالسقيفة.. أدركتُ كنههُ.. بعمق.. رُبَ ضارةٍ نافعة.. بدقه تابعتها.. إنها (فلترة) تُبقي جمال المنطوق في الصيوان وكنفه.. وتُلْقي بسمومه عبر مسامات السقف الى السطح.. ظاهرة صحية.. أليس كذلك..؟ اخالها حقيقة.. دقق وتابع نوايا الخير في ديوان الخير.. يا للتدبير الرباني.. منظومه في جو ماطر.. منهمر.. وسطح الديوان يغتسل ببركه السماء.. فتنقى أدران السقف و سطحه عبر مزاريبه.. فتسمع رنين إيقاعها يشدو.. فرحة.. للفلاح.. والمدني..والحراث.. والحُصّاد.. فيطربون حامدون شاكرون..منوهون المزراب لاقى أخوه موسم خير.. لأرض الخير.. هم ملح الأرض.. وهذا حديثهم ونقاؤهم.. بصفاء بيت العيلة الكبير.. ديواننا.. مضآفتنآ
طريف الحديث شدني.. هم مِلحُ الأرض.. أنغام في مسمعي.. الوقت يسرقني.. لملمت نفسي.. وبَصيت من نافذه الصيوان..( ظريف الطول) ضربت عيناي على معتلى يغتسلُ بماء منهمر (جناح الضيافة) .. بارع الذكاء.. إستغل (ندف) حبات المطر بنوتة تعبيرية ايقاعها..( يا هلا بالضيف.. ضيف الله).. رفعت يدي شاكراً واقبلتُ على مصلى الديوان..كنت متوضأً فلم أذهب لبيت الوضوء..أديت نداء الصلاة.. عطشت.. فاتاني صاحبي بماءٍ من بيت المونة ..أراني في هودج تراثيا أَخْاذ.. أخذتُ أدندن..( شدولي الهودج بالله مشتاق لحبيبي والله).. تَبسمَ صاحبي وأخذ بيدي.. وأوقفني بزاوية تُطِلُ على شارع (فلسطين).. سألني ما سر عَنْوَنَة ديواننا .. مضافتنا.. بشارع (فلسطين).. أجبته بأريحية نحن أبنائها.. (فرسانُنا كُثرْ من آل التل).. جِهادُ الكلمة و عِرار و تغريدته ..( بلفور إن أنفذ وعده.. كم مسلم يشقي ونصراني؟).. وصفي..و جيش الإنقاذ.. وعبد القادر..وأحمد (أبو صعب)..و ثُوار الجزائر.. وخلف ..ثائر الجولان..عام 1919 و على بوابة الصحافة (حسن - أبو بلال).. وعندما نطقت (عبد الله التل).. ابا المنتصر.. رفع صاحبي يديه وكبر.. وكبرت معه..يالجبل المكبر..و إبن القدس و معركتها (أم المعارك 1948 ) فارس القدس منا ..عليهم سلام..سلام عليهم.. وإذا بصاحبي يهز رأسه.. وتتفتح أساريره ..فهمت.. قلت ماذا.. قال: عرفتُ الآن عنفوان هذا الديوان.. ديوان (الشراقة والغرابة).. شد على يدي فقلتُ هل من عتاب.. الآن انطلق لوجهتي..قال: هي فرصتي.. لم افهمه.. كاد يحملني بعد أن أرهقني صُعُدا.. الى تل اربد.. فاجئني بوقفة على التل إختارها.. حقاً مشرفة على سفحه يَبانُ المسجد.. والديوان.. قال لي هنا خِلتُ عابر سبيل.. يقف مطلاً على السفح.. وينشد (يا دار منتي دارنا العام الاولي) أو يمني نفسه مردداً (أين يا اطلالُ آمون وصوتُ الراهِبِ).. قُلتُ له..ألهذا دعوتني على التل؟ ..خسَ كوبان.. (دارنا هي دارنا.. الديوان.. وصوتُ الراهب والكنيسة على التل أجراسه تصدع...و نداء المأذنة في الآفاق يعلو... أستودعك الآن.. قال: لا.. قلت الى أين..؟ الى الديوان سأٌقرِؤك رسالة.. طاوعته أجلسني بصحن الديوان.. وغاب لحظات وأتى بمغلف.. قرأته ..قٌلت اللهم إجمعنا بالأقارب والأحباب ..(من الزبداني وبلودان.. أهلنا هناك في سوريا الحب والشوق..فحوى.. رسالتهم طمأنة.. قلت يالهذا الديوان امتدت (عيلته) و جذوره.. يا هذا سهرتني.. دعني أُحلق الآن الى مبتغاي..قال: لابأس وغدا أدعوك لتفاجأ بمشهد ولا أمتع.. (وخوشني) غداً لناظره قريب.. و في اليوم التالي.. كنت في الموعد.. الوقت من ذهب..شباب وشيب المضافة..حراك منتظم..خلية نحل.. تَلْقى الضيف بابتسامة معبرة..لسان حالها ....وطَأتُ سهلاً..و قدمت أهلاً..قُلتُ لصاحبي..ما الأمر؟..إصلاح ذات البين..مُسْتَجيرُنا..يُجار..(وشوبشوا.. أهل الحلم و الحكمة..شو..بشوا..؟)..(و من أُوتِيَ الحكمة ..الآية) ..أبا يمان .. ..جَمَلُ المحامل..أثارني المشهد .. و عند الوِداع..أتاني فضولي..فهمستُ لصاحبي بإعطائي مفتاحاً للديوان..قال لما..سأحتفظ به نيشاناً على كتفي..حال سفري..ضمني اليه و عيناه ترغرغان..وِداعاً يا سميري..تنهدتُ من أعماقي وقُلت: خيمتنا لكبيره ولعالية..(خيمة قائدنا أبو عبدالله) ..و ديوانه ..و ديوانا..و ديوانكم عامرة.. و الخير بي و بأُمتي الى يوم الدين..اللهم لا خيلاء و لا غرور ..كلنا من تراب أبناء آدم و حواء عليهما السلام..إِنَ أَكرَمَكم عند اللهِ أَتقاكم...
*ملاحظة: أثار أدبياتي الرجل المهذب ..معن التل..عندما اهداني صورة (فوتغرافية ) عامها 1900 .. استفزتني فدونت .. شكراً له..




