خاص بـ"خبرني"
كتب - حسن بلال التل
قبل بضعة ليال وأثناء خروجي من مكان عملي لمحت شابة محجبة تمر من أمامي حاملة ما يبدو أنه طبق من الطعام ملفوف في كيس, حيث كانت تأكل منه فيما هي تسير, مرت الشابة وخرجت بدوري إلى الرصيف منتظرا هدوء حركة السير لأعبر الشارع, وخلال لحظة سمعت صرخة, فالتفت إلى مصدر الصوت لأرى الشابة ذاتها وقد سقطت على الأرض وتبعثرت أشياؤها.. جريت نحوها، وقبل أن أصل توقفت سيارة وترجل منها شابان واتجها نحوها أيضا, بدأنا بالإطمئنان عليها, وأحضر لها أحد الشابين زجاجة ماء وعلبة مناديل من السيارة, فيما عرضتُ عليها أن تدخل إلى مقر المؤسسة وتتصل بأهلها, فقد كانت جبهتها تنزف بغزارة بعد أن تعثرت بأصل شجرة مقطوعة, وسقطت على رصيف محطم.
أثناء اطمئناننا إلى حالتها –وكانت سيئة- تنبهت إلى أن الشابين عراقيان, ومع ذلك فلم يألوا جهدا في الإطمئنان على حال الفتاة, وعرضا عليها نقلها إلى المستشفى أو المنزل, في المقابل اصطفت عدة سيارات تحمل لوحات أردنية وفيها رجال ونساء, بعضهم نزل من السيارة ووقف على بعد (يتفرج) وكأن الأمر مسرحية, فيما اكتفى آخرون بالبقاء في سياراتهم للفرجة!!
هذا المنظر حز في نفسي, وكم تمنيت أن يعرض أي من الأردنيين -الذين وقفوا متفرجين- أن ينقل بنت بلده بسيارته إلى بيتها أو إلى مستشفى قريب, لكن أيّا منهم لم يفعل, وفجأة تنطح أحدهم واقترب وسأل الفتاة: (وقعتي ولا السيارة هاي –وأشار نحو السيارة العراقية- ضربتك؟), بالطبع أكدت له الفتاة أنها سقطت وسط ذهول الشابين العراقيين اللذين لم يستطيعا أن يقولا حرفا أمام هذه الدناءة, خاصة وأن صاحبنا بقي مصرا على أن السيارة العراقية بالذات دونا عن غيرها قد دهست الفتاة, ما دفعني بعد تكراره السؤال للمرة الثالثة أو الرابعة إلى دفعه وإخباره أنني كنت موجودا منذ اللحظة الأولى, ثم توسطت الشارع وأوقفت سيارة فيها 3 سيدات وطلبت إليهن نقل الأخت –التي رفضت الاتصال بأهلها أو بالدفاع المدني- إلى بيتها أو إلى أقرب مستشفى, وقد فعلن بعد تردد.
وغادرت الفتاة, وغادر الشابان العراقيان ومعظم المتفرجين, فيما صاحبنا إياه ظل واقفا مع متفرج آخر وهو يخبره أنه كان واجبا على الفتاة أن تقول إن العراقيين قد دهساها, وأن السيدات اللاتي نقلنها قد (ابتلين بها)!!
هذا السيناريو أصبح هاجسا يطاردني منذ وقع, وأصبحت أتساءل في قرارة نفسي: أإلى هذا الحد فقد الأردني كل مروءة ونخوة؟ وهل أصبحنا شعبا لا مباليا وانتهازيا حقا بهذا الشكل الفظيع؟ وهل وصلت الدناءة في نفوس بعضنا حدا يجعله (يتجرهم) عابر الطريق أو فاعل الخير ليبتليه ويبتزه؟ أفعلا لم يتبق في نفوسنا خير للقريب, فما بالكم بالغريب؟؟ سؤال مؤلم...




