تنص المادة 23 الشهيرة من مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد أن: ((كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أيا من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار، ولا تتجاوز ستين ألف دينار)).. والأفعال المنصوص عليها في المادة 5 هي مجموعة من الجرائم التي تتراوح بين الواسطة والمحسوبية, وتصل إلى حدود جرائم إساءة استغلال السلطة وجرائم الإئتمان, وهي جرائم يُعاقب عليها بحسب قانون العقوبات, ومنها أفعال لو نسبت حقا الى أي شخص لكانت كفيلة بتدمير عيشه وعيش أسرته أبد الدهر.
ونص المادة واضح في قوله (إلى أحد الأشخاص) أي تحديد شخص بعينه إسما وصفة, ولو قمت كصحفي أو كمواطن عادي بالقول عبر أي وسيلة علنية بدءا بصفحات الجرائد وليس انتهاء بمنابر المساجد أن المواطن خلف خليفة الخلايفة (وهو اسم وهمي على ما أرجو) هو لص ومرتش ويسيء استغلال السلطة ليثري وينتفع, دون أن أملك دليلا واثباتا على ذلك, فإنني بهذا أكون قد دمرت هذا الشخص وقضيت على سمعته, بل وحرمت أبناءه وبناته من الزواج والعمل والحياة بكرامة, ومن المعروف في عرف الصحافة والمجتمع أن الشتيمة في سطر لا تمحوها الاعتذارات في صفحات, والناس تنظر إلى الكلمة المكتوبة والمنشورة على أنها كتاب منزل, وكم من شخص اتهم بالفساد والجريمة ولم يغسل ما لحق به من عار بالزور والبهتان ألف حكم بالبراءة.
الآن لا بد من أن أقر أن الغرامة مرتفعة, وهي في هذا النص تجاوزت حد الردع والعقوبة إلى حدود الإعدام, وكان الأولى بالكتلة النيابية التي كانت ترفض هذا النص, وخرجت لتستعرض بطولاتها أمام الصحافة برفضها له, كان الأولى بهم الموافقة على النص المقترح الذي كان يحدد الغرامة بألف إلى خمسة آلاف دينار, وبالتالي تخفيف الشر طالما أن العملية الديمقراطية التي يمثلونها لم تستطع إلغاءه, بدل الانسحاب من الجلسة وإفقادها النصاب الكفيل بالتعديل, ما جعل لزاما العودة إلى النص المقترح أصلا وهو 30-60 ألفا والذي لا توافق عليه الأغلبية أساسا بشهادة نواب من مختلف الكتل.
الآن لنتحدث عن المعمعة التي ثارت قبل وبعد إقرار المادة, وهي معمعة غير محقة, بل ومهينة لكل ذي لب, فهذا النص هو نص عقابي, والأصل القانوني أن النص العقابي يوضع للمجرم والمسيء, وهو مصدر راحة واطمئنان للمواطن السوي, ومصدر قلق للمجرم أو من يحمل النوايا الجرمية, وبالتالي فإن ما حدث من رد فعل من مواطنين, وزملاء صحفيين وغير صحفيين من العاملين في القطاع هو أمر أشعرني بالإهانة, لأنه أشعرني أنني مجرم حكما, ومتهم حتى تثبت براءتي, فليس الأصل بالمواطن السوي أن يخشى من العقوبة بل هذا شعور المجرم, وكما أنه ليس من حق أحد أن يعترض على عقاب اللص, فليس من حق أحد أيضا أن يعترض على ردع وعقاب القاذف والشاتم دون حجة أو برهان, وإن كان الله سبحانه لم يُجز لزوج رأى زوجته في فراش الزنا أن يبوح بذلك بغير أربعة شهود عدول رأوا عين الفعل, فلا أقل من أن يشترط القانون وجود أي اثبات من أي نوع قبل أن يُتهم انسان بالسرقة والنهب واللصوصية.
هذه المادة لا تحمي الفاسدين كما يروج رافضوها, فهي لا تمنع التبليغ عن شبهات الفساد إلى الجهات المعنية ولو بغير دليل, بل إن القوانين الأردنية تعاقب من علم عن جريمة في طور الحدوث ولم يبلغ عن شكوكه, لكنها تحمي كلا منا من بعض المرتزقة والمبتزين الذين يفتحون صحفا ومواقع صفراء ليس لها غاية إلا الابتزاز وامتهان كرامات الناس وأعراضهم. وفي ظني أن سبب هذه المعمعة أن المادة نصت على غرامة عدا عن حق المتضرر بالتعويض المدني, والغرامة هي حق الدولة الذي لا مفر منه, فيما التعويض المدني نادرا ما يتم تحصيله, إما لأن المسيء لا يملك أن يدفع, أو لأن التعويض مهما كانت قيمته يُشطب بسحر الجاهات والواسطات, وفنجان قهوة لم ولن يغسل عارا وفضيحة ألصقت ببريء لم تثبت إدانته.




