فور صدور قرار ديوان
البريد والاتصالات بمضاعفة الضريبة، التي كانت تفرض على الاتصالات والمكالمات
الخلوية التي يجريها المواطنون فيما بينهم ، دار نقاش مطول بين الصديقين العزيزين "
أبو العبد "، و" أبو صطيف " حول أسعار المكالمات الخلوية.
أخذ
الصديقان يشكوان لبعضهما البعض من التكلفة العالية للمكالمات، مقارنة مع دخليهما
المتواضع ، وقررا في خطوة لمواجهة هذا القرار- المرفوض بالنسبة لهما جملة وتفصيلا-التوقف
عن استخدام الهواتف الخلوية ومقاطعتها .
مر يومان ، وشعر
الصديقان بطول فترة انقطاعهما عن بعضهما البعض ، وبدأ كل منهما البحث عن وسيلة
بديلة للتواصل ، وأخذهما الحديث حول طريقة الإتصال التي كانت معتمدة قديما قبل
ظهور وسائل الاتصال الحديثة ، حيث كان يستخدم الحمام الزاجل لنقل الرسائل بين
الناس بعد ربطها بإحدى قدمي الحمام .
قرر" أبو صطيف "و"
أبو العبد " أن يعتمدا هذه الوسيلة غير
المكلفة للاتصال فيما
بينهما، كونها أول وسيلة اتصال لنقل الرسائل بين البشر،ولن تكلفهما سوى شراء زوجين
من الحمام الزاجل ، وسيكون غذاؤها من بقايا الخبز والرز الموجود لديهما ، وما
عليهما سوى في كل مرة يريدان أن يتواصلا معا ، سوى ربط رسالة بعد كتابتها بإحدى
قدمي الحمام الزاجل ، وإرسالها إلى الآخر .
الصداقة ليست وحدها التي
جمعت بين " أبو صطيف "و" أبو العبد " ، بل الظروف المتشابهة ،
حيث يقطن كل منهما في الطابق الرابع في عمارتين متقابلتين ،ويعانيان من الوحدة خاصة
بعد التقاعد .
استمر الصديقان على هذه
الحالة في تبادل الرسائل فيما بينهما لتبادل الأخبار أو للاطمئنان على أحوال
بعضهما البعض ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استلم فيه " أبو صطيف " حمامة
زاجلة بلا رسالة ، فأهمل الموضوع ضانا أن " أبو العبد " قد نسي أن يربط
الرسالة بقدم الحمام الزاجل .
تكررت عملية استلام "
أبو صطيف " للحمام الزاجل فارغ القدم من الرسائل ، عندها غضب ، ونزل مسرعا من
الأربع طوابق وقطع الشارع وصعد إلى الطابق الرابع في عمارة صديقه " أبو العبد
" ، يسأله عن معنى ارسال حمام زاجل بلا رسائل ، لتأتيه الإجابة : "عم
بعملك رنة"، أسألك : شو في ما في؟!.
أستمر " أبو صطيف "
بإستقبال الحمام الزاجل من " ابو العبد " خاليا من الرسائل ،وفي مرات
كثيرة كان يتغاضى عنها وأحيانا أخرى يعيد ارسالها بقدم فارغة من الرسائل إلى "
أبو العبد " .
غضب " أبو العبد " من تكرار إعادة ارسال " أبو صطيف " حمامه
الزاجل بلا رسائل مربوطة به ، فذهب إلى عمارة " أبو صطيف " وصعد الأربع
طوابق ، وقرع جرس باب المنزل ، وما أن فتح صديقه له الباب حتى بادره بلكمة "بكس في نص وجهه.. دَورُه دَور"، وعلقت
معركة بين الصديقين تخللها الكثير من "الرفش
والركل" ، والقليل من المسبات والشتائم البذيئة ومنها الخفيفة .
وسريعا تجمع أهل الحي
على الطوشة، التي جرت بين الصديقين العزيزين ، وأخذوا يتدخلون للتهدئة من غضبهم
وتدخل عقلاء الحي وقرروا أن يحتكموا عند " أهل العقل " ،وهو شخصية مهمة
في الحي عرف ب " حكيم الحي " عرف عنه أنه صاحب صوت أجش ، يتكلم بهدوء
إلى درجة كبيرة ، وتحمل كلماته بين طياتها الكثير من عبارات الغزل والكلام اللطيف
، ألا وهو " الحكيم ابو زهير " .
ذهب الصديقان ليحتكما
عند " أبو زهير"، الذي ما أن
أستمع الى تفاصيل القصة ، حتى جاء حكمه منصفا للطرفين ، حيث حكم بأن الحق ليس على " أبو صطيف "
ولا على " أبو العبد" ، إنما على " رئيس ديوان البريد والاتصال "
لأن قراره جاء منقوصا ، وكان الأجدى به أن يفرض ضريبة على كل شخص يرن" رنة
ويفصل" ، تسمى " ضريبة النوايا " .
وقال ، وهو يشيح بيده
الذبابة التي وقفت على شعره الأشيب ، الذي يدل عل الحكمة المفرطة في شؤون
الحياة: لو فرض رئيس ديوان البريد هذه
الضريبة لما لجأ "أبو صطيف " و"أبو
العبد" إلى ابتكار أساليب جديدة عمدت إلى الفرقة، وإحداث الشرخ بين الأصدقاء،
وكادت أن تُضيعَ صداقة العمر .
أثبت بذلك " أبو
زهير " أنه أشطر من أبو رنة ، وأخذ
أهالي الحي يهتفون بأعلى صوتهم : طول عمرك حكيم يا "أبو زهير" ..
[email protected]




