*
الخميس: 25 ديسمبر 2025
  • 21 تموز 2013
  • 00:07
أبو رنة
الكاتب: سهير جرادات
أبو رنة
فور صدور قرار ديوان البريد والاتصالات بمضاعفة الضريبة، التي كانت تفرض على الاتصالات والمكالمات الخلوية التي يجريها المواطنون فيما بينهم ، دار نقاش مطول بين الصديقين العزيزين " أبو العبد "، و" أبو صطيف " حول أسعار المكالمات الخلوية. أخذ الصديقان يشكوان لبعضهما البعض من التكلفة العالية للمكالمات، مقارنة مع دخليهما المتواضع ، وقررا في خطوة لمواجهة هذا القرار- المرفوض بالنسبة لهما جملة وتفصيلا-التوقف عن استخدام الهواتف الخلوية ومقاطعتها . مر يومان ، وشعر الصديقان بطول فترة انقطاعهما عن بعضهما البعض ، وبدأ كل منهما البحث عن وسيلة بديلة للتواصل ، وأخذهما الحديث حول طريقة الإتصال التي كانت معتمدة قديما قبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة ، حيث كان يستخدم الحمام الزاجل لنقل الرسائل بين الناس بعد ربطها بإحدى قدمي الحمام . قرر" أبو صطيف "و" أبو العبد " أن يعتمدا هذه الوسيلة غير المكلفة للاتصال فيما بينهما، كونها أول وسيلة اتصال لنقل الرسائل بين البشر،ولن تكلفهما سوى شراء زوجين من الحمام الزاجل ، وسيكون غذاؤها من بقايا الخبز والرز الموجود لديهما ، وما عليهما سوى في كل مرة يريدان أن يتواصلا معا ، سوى ربط رسالة بعد كتابتها بإحدى قدمي الحمام الزاجل ، وإرسالها إلى الآخر . الصداقة ليست وحدها التي جمعت بين " أبو صطيف "و" أبو العبد " ، بل الظروف المتشابهة ، حيث يقطن كل منهما في الطابق الرابع في عمارتين متقابلتين ،ويعانيان من الوحدة خاصة بعد التقاعد . استمر الصديقان على هذه الحالة في تبادل الرسائل فيما بينهما لتبادل الأخبار أو للاطمئنان على أحوال بعضهما البعض ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استلم فيه " أبو صطيف " حمامة زاجلة بلا رسالة ، فأهمل الموضوع ضانا أن " أبو العبد " قد نسي أن يربط الرسالة بقدم الحمام الزاجل . تكررت عملية استلام " أبو صطيف " للحمام الزاجل فارغ القدم من الرسائل ، عندها غضب ، ونزل مسرعا من الأربع طوابق وقطع الشارع وصعد إلى الطابق الرابع في عمارة صديقه " أبو العبد " ، يسأله عن معنى ارسال حمام زاجل بلا رسائل ، لتأتيه الإجابة : "عم بعملك رنة"، أسألك : شو في ما في؟!. أستمر " أبو صطيف " بإستقبال الحمام الزاجل من " ابو العبد " خاليا من الرسائل ،وفي مرات كثيرة كان يتغاضى عنها وأحيانا أخرى يعيد ارسالها بقدم فارغة من الرسائل إلى " أبو العبد " . غضب " أبو العبد " من تكرار إعادة ارسال " أبو صطيف " حمامه الزاجل بلا رسائل مربوطة به ، فذهب إلى عمارة " أبو صطيف " وصعد الأربع طوابق ، وقرع جرس باب المنزل ، وما أن فتح صديقه له الباب حتى بادره بلكمة "بكس في نص وجهه.. دَورُه دَور"، وعلقت معركة بين الصديقين تخللها الكثير من "الرفش والركل" ، والقليل من المسبات والشتائم البذيئة ومنها الخفيفة . وسريعا تجمع أهل الحي على الطوشة، التي جرت بين الصديقين العزيزين ، وأخذوا يتدخلون للتهدئة من غضبهم وتدخل عقلاء الحي وقرروا أن يحتكموا عند " أهل العقل " ،وهو شخصية مهمة في الحي عرف ب " حكيم الحي " عرف عنه أنه صاحب صوت أجش ، يتكلم بهدوء إلى درجة كبيرة ، وتحمل كلماته بين طياتها الكثير من عبارات الغزل والكلام اللطيف ، ألا وهو " الحكيم ابو زهير " . ذهب الصديقان ليحتكما عند " أبو زهير"، الذي ما أن أستمع الى تفاصيل القصة ، حتى جاء حكمه منصفا للطرفين ، حيث حكم بأن الحق ليس على " أبو صطيف " ولا على " أبو العبد" ، إنما على " رئيس ديوان البريد والاتصال " لأن قراره جاء منقوصا ، وكان الأجدى به أن يفرض ضريبة على كل شخص يرن" رنة ويفصل" ، تسمى " ضريبة النوايا " . وقال ، وهو يشيح بيده الذبابة التي وقفت على شعره الأشيب ، الذي يدل عل الحكمة المفرطة في شؤون الحياة: لو فرض رئيس ديوان البريد هذه الضريبة لما لجأ "أبو صطيف " و"أبو العبد" إلى ابتكار أساليب جديدة عمدت إلى الفرقة، وإحداث الشرخ بين الأصدقاء، وكادت أن تُضيعَ صداقة العمر . أثبت بذلك " أبو زهير " أنه أشطر من أبو رنة ، وأخذ أهالي الحي يهتفون بأعلى صوتهم : طول عمرك حكيم يا "أبو زهير" .. [email protected]  

مواضيع قد تعجبك